الثلاثاء، 23 ديسمبر 2008










"النقطة الأهم يا سيدي...تتعلق بمكانة العقل في مقابل المعرفة اللدنية...لك أن تعرف يا سيدي أنه مرت علي أيام خضت فيها حوارات من ذلك النوع بيني وبينك (ديني- سياسي) في إطار عملي ونشاطي التطوعي, و أنه كثيرا ما انهزم عقلي أيما هزيمة, فكنت أبيت محدثة نفسي بالأسئلة ...ثم أطلق عقلي دون قيد أو شرط يذهب كل مذهب...ثم قبل أن أغلق عيني مستسلمة لسلطان النوم أقولها: رب...لقد أطلقت هذا العقل الذي أعطيتنيه والذي تعلم كم يرهقني, فذهب تحت بصرك وأنت البصير, كل مذهب لكن إن أمتني الليلة, فأمتني على الشهادتين...فللعقل , يا سيدي, ألعابه التي قد تشقينا إن أطلقنا لها العنان, وأنا على ذلك من الشاهدين! وللقلب كذلك ألعابه وأحكامه..وسبحان الله في خلقه! لكن في لحظة ما يأتيك -وما تدري من أين يأتي -الإيمان الغيبي, وتأتي تلك الذائقة الفطرية وذلك الانشراح الخفي الذي يداخلك حين تنصت إلى تلاوة القرآن الحلوة وذكرى قصص الأنبياء التي حكتها أمهاتنا وجداتنا لنا في الطفولة البعيدة, يأتي هذا كله لتجد نفسك مؤمنا برغم كيد "العاقلين"...ولك كذلك أن تعلم يا سيدي أن خلفية دراستي علمانية, فيما كانت تربيتي مشبعة بالمكون الإسلامي, وعقلي وقلبي يسيران في الحياة سويا متحاورين, يلتقيان أحيانا ويختلفان أحيانا أخرى, فيكون البحث والتساؤل وتحصيل المعرفة والرجوع لمن سبقوني في المجئ إلى دنيا الله الفسيحة ويكون الاحتياج للحوار, كذلك الذي بيننا...أي أن حواري معك يسير متوازيا مع حوار آخر تشهده جبهتي الداخلية وهما بالمناسبة قريبا الشبه جدا ببعضهما البعض...وأنا أحب حواري الداخلي وأغذيه وأغذي طرفيه(عقلي وقلبي) ما استطعت إلى ذلك سبيلا...!و إن كنت لا أخفيك سرا أني أكفرأحيانا بالحوار!أحس أنه لا طائل من ورائه, وأن الكلمة تستمد قوتها في عالم اليوم من قوة المدرعة التي تحملها على ظهرها! وأحيانا حدثتني نفسي بالسخرية من أفكار أراها في أوقاتي الرائقة, أراها رائعة مثل المقاومة بالموسيقى والرواية وقصيدة الشعر...وأحيانا أخرى تحدثني بأن أهجر هذا الفضاء المتعلق بالحوار والثقافة والأديان هجرا جميلا لصالح أشياء أنفع وأقل التباسا, غير أني لم أجد بعد هذه الأشياء !!"










آه يا صديقتي المجنونة! كم يعجبني ذلك الفخر بداخلك بأنك تخوضين مغامرة الأنوثة! مغامرة كونك امرأة ...لقد بدأت أنا الأخرى مؤخرا فقط أحس حلاوة أن خلقني الله امرأة...أذكر عبارة قرأتها في مكان ما تقول فيها الكاتبة إن النساء تجلسن على لغز الحياة في حين تعلمن أنه لا لغز هنالك ولا شئ!!!لم أعد أعبأ كثيرا بأن أبدو أنيقة أو أن أتصرف بلياقة كما ينبغي لامرأة صغيرة أن تفعل...يمكن للمرأة دوما أن تكون مشاغبة عالية الصوت تماما كما عهدتيني! أليس كذلك؟ عن أخباري...لم يتم قبول أوراقي في الجامعة الألمانية للالتحاق ببرنامج الدكتوراة الذي أخبرتك عنه في مكتوبي الفائت...ولا أخفيك سرا أن هذا الرفض -على ما سببه لي من إحباط -منحني تلك الحرية الخاصة جدا...حرية اليأس...على الأقل فقد انعتقت من اللهاث وراء الأوراق المطلوبة والأختام التي لا تنتهي وخطابات التوصية التي تكومت في أدراجي...انعتقت من الجري وراء مواعيد مكاتب البريد وانتظار خطاب الجامعة الذي لا يأتي...أتيح لي على الأقل أن أصحب جرائدي بهدوء إلى مقهاي القاهري المفضل لأتصفحها بتلذذ مع قهوتي ونرجيلتي من دون كثير تفكير في المواعيد النهائية وخطة الدراسة العبقرية و طلبات التمويل والمنح المالية والمقابلات الشخصية...انعتقت من انتظاري للحظة التي أحتسي فيها قهوة كابوتشينو فاخرة من الحجم الكبير في إحدى مقاهي أوروبا الأنيقة, وانعتقت من تكديسي أعدادا من جريدتي المفضلة أخبار الأدب على أمل أني سأقرؤها في في عطلة نهاية الأسبوع في بلد آخر بعيد حيث تصمت الشوارع بعد السابعة مساء فيداخلني هدوء نادر مختلط بحنين عنيد لعيون القاهرة التي لا تنام...لكني يا صديقتي المجنونة كما عرفت ما حرية اليأس فإني أعرف جيدا ما عبودية الرجاء...وأعرف أني لن ألبث أن أعود لدوائر اللهاث وفوبيا ال"يا ترى يا بكرة مخبيلنا إيه؟!" إذا كان يوجد شئ كهذا!! إنه ذلك الخوف من أن آتي منتصف العمر فأنظر ورائي لأجد لا شئ...لا شئ على الإطلاق...على الأقل لا شئ جدير بأن أدخل النصف الثاني من هذا العمر لأجله...وما أكثر من يعيشون هذه المفارقة من حولي يا صديقتي...قرأت في الصحف أن الطلاب في غزة من الذين حصلوا على منح للدراسة بالخارج منعوا من السفر خارج غزة بقرار سلطات الاحتلال...يا للمصير!...ياللسجن الكبير الكبير بحجم وطن الذين يعيشون فيه...الفكرة في ذاتها تصيبني بضيق في التنفس...ولو كنت في مكان أحد منهم كنت أفقد صوابي...أيكون بيني وبين حلم استكمال دراستي ختم لعين بيد عدوي الألعن؟...ألا لعنة الله على الأختام وتأشيرات المرور وجوازات السفر والمعابر المغلقة والمفتوحة على حد السواء!عن أخبارك...أسعدتني أخبارك يا فتاة...مبارك عملك مع مفوضية غوث اللاجئين...كيف وجعهم اللاجئون في تركيا يا صديقتي؟ أمن العراق أكثرهم؟ أم من أفريقيا؟ كيف تقضين أيامك تخرجين هكذا من وجع إلى وجع ومن حكاية لاجئ إلى حكاية نازح ومن قصة اغتراب إلى قصة ضياع؟اعملي إذن ما وسعك العمل يا صديقتي لكن رجاء لا تفقدي وجهك...لا تدعيه يضيع في الألم ولا تسمحي له أن يتيبس باللامبالاة... ما بالك لا تميلين للفتى ذي الـ 35 سنة هذا؟ أحبيه! بالله أحبيه... أو على الأقل دعيه يحبك...أراه لطيفا في حكاياك ولست أدري سر تمنعك...ألأنه يتحدث كثيرا؟ ممل؟ لكنه يبدو لي من حكاياتك رفيقا رحيما في طبعه...أحبيه يا صديقتي...لأجل خاطري! ابذلي ما في وسعك لتحبيه! العالم هذا أقسى من أن يجود برجل رحيم لذات المرأة مرتين!كلما كبرنا في العمر أدركنا الأمور بصورة أكثر تعقدا...يعني أنا مثلا مؤخرا أدركت أن كل من حولي مختلون في عقولهم معتلون في نفوسهم بدرجة أو بأخرى !!والله! وبهذا أدركت أني كبرت! من ناحية لأني أدركت اختلال عقولهم واعتلال نفوسهم...ومن ناحية أخرى لأني ملكت من الشجاعة ما يسمح لي بالحكم عليهم بل ومعاملتهم على أساس الحكم الذي أصدرته هذا...كفانا تسامحا مع مرض نفوس الناس من حولنا حتى وصل حد التمييع والتفريط...ألا ترين أننا فعلا تسامحنا بما يكفي مع مرضى نفوس وعقول بدعوى التحضر أو التسامح مع "الآخر" المختلف؟ ألا بعدا لمرضهم و تسامحنا!أمازلت تذكرين قصيدة الماغوط التي ترجمتها لك من العربية للإنجليزية وقت كنا في أيرلندا؟ دموعي زرقاءمن كثرة ما نظرت إلى السماء وبكيتدموعي صفراءمن طول ما حلمت بالسنابل الذهبية وبكيتفليهب القادة إلى الحروبوالعشاق إلى الغاباتوالعلماء إلى المختبراتأما أنافسأبحث عن مسبحة و كرسي عتيقلأعود كما كنتحاجبا قديما على بابا الحزنما دامت كل الكتب والدساتير والأديانتؤكد أنني لن أموتإلا جائعا أو سجيناكاتبيني...وأخبريني أنت الأخرى عن دموعك وما إذا كانت زرقاء كدموع الماغوط أم ما لونها...بإخلاص,صديقتك المصرية الأكثر جنونا!








منذ أيام وأنا مرابطة في حجرتي المبعثرة كحجرة طفل لا أكاد أبارحها...وبرغم نزلة البرد الشديدة التي أعانيها فإني أقيم في حجرتي في كل ليلة مهراجانا ثقافيا لا يحضره سواي! أقرأ مقالة من هنا وأشاهد فيلما من هناك أو أنصت لأغنية قديمة افتقدتها... والليلة كان أجندة أعمال مهرجان "حجرتي" المكركبة عامرة بالهموم والهواجس...وإن لم تخل من الضحك العالي...على أجندة الليلة كان لدي:البند الأول: حوار جدلي مثير دار بين كاتبتين على موقع الأوان كان موضوعه شهرزاد وإن كانت رمز للمرأة المقهورة التي ينبغي نبذها والتحرر من قالبها, أي قالب الدهاء النسائي في مقابل التجبر الرجولي الذكوري, أم أنها نموذج يحتذي في التعامل مع نفسية معتلة هي نفسية الملك المتجبر والخروج بها من النفق المظلم؟ الحوار فعلا مثير للذهن خاصة وقد طافت بذهني صور الكاتبتين وقد احتقنت هذه غضبا واستشاطت الأخرى سخطا غير أن أدب الحوار يمنعهما من التراشق بالبذاءات! وإن كنت لا أستبعد أنه إذا استمرت المكاتبات بينهما أطول من هذا فإنهما ولابد متراشقتان على الأقل بالألفاظ الحادة!موضوع شهر زاذ لا يخلو من رفاهية فكرية حتى إن الواحد منا قد يتساءل: وهي يعني بلادنا في لحظات الهم اللي بالمكيال دي بحاجة حقا إلى هكذا مماحكات فكرية وفلسفية؟؟ ...لأ يا جماعة لأ...كل مشروع حضاري لابد له من قوائم فكرية قد تبدو في لحظات معينة عبثية أو خارجة عن النص أو من قبيل الترف لكن أهميتها قد تتضح في لحظة تاريخية متأخرة...وبعدين أنا شايفة إن الكلام دة مهم إذا كان اختيارنا هو أن نقوم بحالة مراجعة مفاهيمية ثقافية معمقة كي نبدأ عملية تأصيل مفاهيمي على نضافة! وعشان نؤصل على نضافة يبقى لازم نقف وقفة ليس فقط مع مدركاتنا الواعية بل وحتى مع لاوعينا الثقافي كجماعة بشرية قديمة بقى لها قرون المفروض بتفرز أفكار ذات خصوصية ما...ولما نؤصل نظريا على نضافة نقوم نراكم حضاريا على مية بيضا! يبقى لما تلاقي اثنتين من النسوة في المدينة تتعاركان كلتاهما على شهر زاد وما تمثله في الوجدان الجمعي العربي وعن التجليات الإيروتيكية في حكايات ألف ليلة ليلة وما بها من إهانة لكينونة المرأة ابقى سيبهم يتكلموا براحتهم...خلاص؟ البند الثاني على أجندة مهرجان حجرتي الليلة كان مقال فكهي منشور كذلك على موقع الأوان...يا نهاااااار...دة أنا ضحكت ضحك! المقال اسمه "أرجح الأقوال في حكم كشف الفخذ للرجال" بقلم مختار الخلفاوي... والمقال يتناول بالتقريع المبطن والسخرية اللاذعة أوي أوي دراسة لفتى غلبان لا به ولا عليه من طلبة الدراسات العليا في الحرم المكي الشريف...الواد يا حبة عيني شهد جدلا في إحدى الجلسات موضوعه عورة الرجل وإذا كان الفخذ عورة ولا مش عورة فأخذته الجلالة وقرر أن يتبحر في الموضوع وما أعرفش قضى كام سنة من عمره يدرس إلى أن خلص إلى أن " الساق ليست عورة بإجماع، وأنّ الفخذ مختلف فيه. غير أنّه ذهب إلى أنّ القول الراجح هو الجمع بين القوليْن، وذلك بأن نقول إنّ العورة قسمان، عورة مخفّفة وهي الفخذان، وعورة مثقلة وهي السوءتان. وأجاز، من ثمّة، كشف المخفّفة " ! ويختم الكاتب مقاله الساخر بقفلة مسخرة إذ يقول: "لقد جاء هذا البحث متأخّرا بعض الشيء، إذ لو دخلنا به ألفيّة أهل الكتاب الثالثة لكان حالنا أفضل، ولكن أن يأتي متأخّرا خير من أن لا يأتي. فليت الجامعات العربيّة تحتذي نهج معهد الحرم المكّي الشريف في التركيز على القضايا الصحيحة والإشكاليّات الحارقة"!! فكرني بمقال رأته منذ سنوات لزكي نجيب محمود موضوعه هو بيضة الفيل واختلاف علماء الأمة حول هيئة بيضة الفيل إذا كان له أن يبيض! طب ولو باض هل أكلها حلال للمسلم أم حرام!! والله ضحكني الكاتب الله يسعده ورجعني لمقال زكي نجيب محمود اللي كنت نسيته... لكني أقول للكاتب: يا سيدي رفقا بالفتى وليكن شفيعه لديك إخلاصه النية وإن كنت أعلم أنه ليس بإخلاص النية تتخلص الأمم من مبتلياتها... لكن الواد يا نني عيني فتح عينه على الحياة لقى الشغل الشاغل للخلق من حواليه هو عورة الرجل! طب يعمل إيه؟! يسيب الشغل الشاغل للأمة ويكتب في الفلسفة مثلا؟ طب إيه قولك بقى إن الفلسفة أصلا حرام؟!!! وحتى لو كانت الفلسفة حلال فإن البحث في شواغل الأمة (من قبيل موضوع عورة الرجل وما شاكلها) يصبح من باب أولى فرض كفاية! يا سبحان الله! أهه اللي عمله الكاتب في المقالة دي هو عين ما يسميه د. أحمد عبد الله كلما اختلفنا في مناقشة واحتددت أنا واحتقن هو-ما يسميه بإزاحة العدوان! يعني الكاتب صب قرفه من تخلف الأمة كلها على شخص الزبون الغلبان دة اللي مسمي نفسه في مقدمة الدراسة بـ"الباحث"... وأنا كمان بأعمل الشئ ذاته..بأزيح غضبي على الفريسة الأسهل ...بس نعمل إيه يا دكتور؟؟ ما هي حاجة تعل! البند الثالث على أجندة المهرجان كان أن أعدت قراءة مسرحية براكسا أو مشكلة الحكم بتاعت توفيق الحكيم...ياااااه...منذ زمن لم أقرأ هذه المسرحية حتى تصورت أني نسيتها...آخر مرة قرأتها كنت في المدرسة الثانوية وكنت أعد نفسي لأذاء دور براكسا (الملكة ) على خشبة المسرح المدرسي:)...ولعلكم تعرفون كيف كانت نظرة الحكيم للمرأة...نظرة يعلم بيها ربنا! هي كائن جميل وكفى! دة إن كان جميلا كمان! براكسا في المسرحية كانت امرأة جميلة و طموح أرادت أن تصل لحكم أثينا فحرضت جاراتها ولبسن ملابس أزواجهن ثم ذهبن إلى مجلس الشيوخ وصوتن لفكرة أن يعهد بحكم أثينا للنساء! ولما كان حكم مجلس الشيوخ في أثينا ديموقراطي بحق ربنا ولما مثلت النساء المتخفيات الأغلبية المطلوية لتمرير القرار فقد عهد فعلا للنساء بتولي الحكم...وظفرت براكسا بالعرش...بس طبعا خربتها وقعدت على تلها عشان عمنا توفيق الحكيم الله يرحمه كان عايز كدة! الحوار في المسرحية في منتهى الجمال...وهو أساسا يدور بين ثلاثة أطراف: براكسا التي تمثل العاطفة أو الرحمة هي الأكثر رعونة, والفيلسوف الذي يمثل الحكمة وهو الأكثر سخرية وصبرا وتسليما بالأمر الواقع فلا الانقلابات تهزه ولا السجن يخيفه...وأخيرا رئيس الأركان...أقصد يعني قائد الجيش وهذا يمثل القوة الغاشمة والكبرياء الأعمى...والحوار بين الثلاثة يدعوك عبر انحناءات الأحداث إلى الحرية وتمكين الأمة من أمر نفسها دون خديعة أو تضليل أو استحفاف...بينما أقرأ الحوار كنت أسترجع مبتسمة أدائي لهذا المقطع أو ذاك متابعة توجيهات المخرج الوسيم اللي كان بيقود العمل...وأدركت ساعتها كيف كان إدراكي للأمور وقتها بسيطا نسبيا وكيف لم تكن المسرحية بالنسبة لي وقتها أكثر من حدوتة مسلية تجري في حتة بعيييييييدة اسمها أثينا فلا تمت لواقعنا بصلة...لم أكن أدرك وقتها أن شعوب الأرض تتلاقي في ذات المساحات...تماما كما تتلاقى طواغيتها... البند الرابع كان على خلفية محاكمة الضالعين في تفجيرات سبتمبر...شوفوا...برغم انها محاكمة عسكرية وأنها لا يمكن تكون عادلة بحال طالما أن القاضي هو نفسه المدعي والجلاد, لكني لم أعدم رؤية نصف مليئ في كوب الماء القراح هذا...ايه هو النصف الملئ؟ أنا أقولكم...الناس يتساءلون: اشمعنى معتقل جوانتانامو اللي الناس فيه بيتجننوا؟ طب ما احنا عندنا أحدث تقنيات النفخ والتفييش والناس بتطلع وتستمر الحياة ومازال النيل يجري...ايه بقى فيه ايه؟ والحقيقة أن ما يذهب بعقول السجناء هناك -كما ورد في تحليلات المتخصصين- ليس الإيذاء البدني ولا حتى المعنوي بل إنها حالة الانتظار اللا منتهية التي تزج بهم في حالة من العدمية والعبثية لا يكون للعقل معها وظيفة...فراغ...أنت معلق في الفراغ لسنوات ست أو سبع...لا تعرف أصلا ما تهمتك ولا أنت تقدم للمحاكمة ولا أنت يخلَى سبيلك ولا أنت تعرف ما مصيرك...أيام طويييييييلة شبه بعض إرادة العقل والبدن معا فيها مسلوبة...طبعا تفقد المعنى وتتجنن...أقل واجب يعني! لقد تحدثت إلى ثلاثة أشخاص تعرضوا للاعتقال في مرحلة من حياتهم...واحد منهم قال: كدت أفقد عقلي وما عصمني من الجنون إلا الانخراط في حالة حوار مع نظرائي من المعتقلين...والتاني حكى لي كيف أنه تعلم أن يحيا في السجن بلا مستقبل ولا مشاريع كبيرة وأن مشروعه الوحيد الذي جعل لبكرة معنى مختلفا عن النهاردة كان كتابة مذكراته سرا على بقايا أوراق مسربة...الثالث قال: الإيمان...الإيمان بالله ثم بالقضية هو ما يعصم من الضياع في تلك التجربة...فلتكن المحاكمة كما تكون...على الأقل آن لهؤلاء أن يظلموا في ظروف ربما يبدو الظلم فيها ترفا طمحوا إليه في ليل السجن الطويل! على خلفية هذه الأفكار وجدت نفسي أراجع موقع الجزيرة الفضائية لأطالع صفحة أدب السجون من جديد..رفوف كاملة في أروقة المكتبة العربية الكلاسكية والحديثة يمكن أن تمتلئ بهذا الأدب الكابوسي الأسود من قلب الكافر* وهكذا كا ترون- أعزكم الله- فإن مهرجان "حجرتي" قد اتسم بصفتين أساسيتين: أولا كونه مهرجانا "استهلاكيا" يعني أنا لا أكاد أنتج فيه حاجة ولا وهم يحزنون بل إني أتغذى على ما أنتجه الآخرون! وثانيا أنه في الأول طلب صهللة وفي الآخر قلب بغم! *عذرا إذا كان في التشبيه إيذاء لمشاعر أحد!

ليست هناك تعليقات: