الثلاثاء، 23 ديسمبر 2008

My archive restored


أيها الناس:أنا معنديش مشكلة مع عقوبة الإعدام! أيوة!يا جماعة أنا معنديش مشكلة مع عقوبة الإعدام! يا كل نشطاء حقوق الإنسان أنا معنديش مشكلة مع عقوبة الإعدام!يا منظمة العفو الدولية أنا معنديش مشكلة مع عقوبة الإعدام!هي دي عيبة كبيرة أوي؟المشكلة اني لما بأقول الكلام دة لأصدقائي من "المتحضرين" بيتهمونني في حسي الإنساني وفي ولائي لحقوق الإنسان كقضية كونية! وفي نفس الوقت محدش قادر يقنعني بغير رأيي.. هو الموضوع بدأ ازاي أصلا...أنا أقولكم دام عزكم...الموضوع بدأ بأني تلقيت رسالة في بريدي الإلكتروني -كجزء من حملة استعطاف إلكترونية غير رسمية- من رجل إيراني محكوم على ابنته بالإعدام عقوبة على قتلها زوجها...الراجل باعت قصة حياة البنت والمعاناة اللي عاشيها في كنف زوجها القتيل (ما يفهم على أنه محاولة لتبرير فعل القتل يعني) وصور أطفالها وحكايات عن طفولتها المعذبة وأنوثتها المقهورة وكدة...ماشي...الرسالة فعلا مثيرة للتعاطف ووقفت النسكافيه الصباحي في حلقي لمدة ساعة...لكنها مثيرة للتعاطف في ذاتها ولذاتها...كحالة إنسانية جديرة بالتعاطف...لكنها لم تكن كافية بالنسبة لي كي أتبنى فكرة إلغاء عقوبة الإعدام!بالتوازي مع هذا تابعت الحملة اللي متبنياها العفو الدولية على موقعها العربي ضد عقوبة الإعدام...وماله...على عيني وراسي...بس الحملة مش مقنعة...حتى المقطع المرئي الذي تصدر به العفو الدولية حملتها ضد العقوبة القصوى اللي هي الإعدام مش مقنع كذلك! ضعيف...لم ينجح في دفعي حتى لإعادة التفكير! طب أعمل إيه؟! الحملة شغالة على محورين -وفقا لرؤيتي الأولية يعني- الأول متعلق بفساد أنظمة القضاء في البلدان التي تطبق العقوبة أو اختلال موازين العدالة فيها لسبب أو لآخر وبالتالي فإن القصاص بالإعدام لا يفسح المجال للتراجع عن الحكم في حال ثبوت خطئه, أما الثاني فهو متعلق بقسوة بعض وسائل الإعدام وهنا تساوي الحملة بين الإعدام و التعذيب... لأ..كلام مش مقنع برضه مهما شحذت كل حسي الإنساني وقدرتي على أن أبدو إنسانة "متحضرة"! أنا أولا لا أرى أن الفعلين متساويان-الإعدام الذي هو حكم تم التوصل إليه عبر عملية قضائية وعلى خلفية قانونية و-اللي مفترض بالإضافة إلى ذلك أنه في الغالب بيتم على خلفية ارتضاء مجتمعي لفكرة القصاص ,ودي مسألة تتعلق بالقيم الثقافية السائدة في المجتمع وبالتالي بالعقد الاجتماعي الذي يقوم عليه النظام,وهو حكم يطبق على من "ثبت " تورطه في جريمة اعتداء يفترض فيها أن تكون بالغة الضرر للمجتمع يعني مش أي جريمة يقتص منها بالإعدام بل إن الإعدام له ضوابط. والمفترض كذلك أنه حكم تمخضت عنه محاكمة تفترض فيها العدالة (وهي القيمة الأكثر غيابا عن المسكونة!)-وهذا لا يتساوى في تصوري مع فعل التعذيب الذي يتم في أقبية سرية على أيدي زبانيته من المختلين نفسيا ضد أفراد لم يثبت أصلا تورطهم في جريمة ولا هم يحزنون وهو في الغالب فعل مسيس له أبعاد عنصرية وطبقية غير عادلة إذ يقع أكثر ما يقع على الفئات الأضعف في المجتمع... طب نيجي لحكاية قسوة الحكم...مين قال يا مرحب بالكرسي الكهربائي تلك الوسيلة الكابوسية التي يقشعر البدن لمجرد ذكرها ؟ولا مين قال هاليلويا لحقنة السم التي تنزل الإنسان مراتب أدنى من مراتب الحيوانات التي -الحيوانات- لها علينا حتى حين نذبحها أن يكون الذبح سريعا غير مؤلم ولا مهين؟ بس دة حوار متعلق بالتكنيكات مش بفلسفة الإعدام... أما بالنسبة لفساد أو ترهل النظم القضائية ووجود ثغرات فيها فهذا ما يستحق العمل عليه بحق وحقيق...هذا هو المخزي...ومواجهة شروخ العملية القضائية هو التحدي...وعموما فإن بتوع العلوم القانوينة والسياسية قالوا إنه ما أن يهتز القضاء في نظام ما حتى يكون قد أذَن لانهيار جسد النظام كله...وبالتالي فإن ثغرات جسد القضاء مش بس تهديد لحياة الشخص الذي حكم عليه بالإعدام بل للنظام بالكامل... لأمن الناس الذين يحيون في ظل هذا النظام ودي قضية أكبر بكتيييييير من فكرة مناهضة حكم الإعدام... نيجي بقى للقانون المصري...قرأت والعهدة على الكاتب أنه "في القانون المصري أكثر من 57 نصًا تجريميًا يعاقب بجريمة الإعدام، ومنها الإعدام على جرائم ليست على القدر الكافي من الخطورة" وأنا لست من رجالات القانون ولا ستاته لكن دي حاجة جديرة بنظر المتخصصين...لأنه لو التشريع أصلا مهلهل غير عادل وسبهللي يبقى ازاي ننتظر من العملية القضائية أن تخلص إلى نتائج عادلة؟! وهنا المنظور قانوني مش فلسفي برضه... صحيح هو عقوبة الإعدام لم تقض على الجريمة وصحيح أنها لم تشع العدل والعدالة لكن أنا شايفة أنه منطق مغلوط أنه بدل ما الحضارة الإنسانية توجه جهودها لمكافحة الجريمة وأشكال الظلم الإنساني المختلفة تقوم تتدور على الحكم بالإعدام وتناهضه!وفي الأول والآخر أفتكرله العافية صديقي الصعيدي "الجناوي" الذي قال لي مرة في قعدة تداعي أفكار: طب ما أنا طبعا لو حد قتل أخويا ولا أبويا ولم يقتص لي منه النظام العام بإعدام القاتل ما أنا حاروح أقتله بنفسي وأبرد ناري واللي يحصل يحصل!هل كان مفروض أتهمه هو التاني في تحضره وإنسانيته؟...ولا يمكن كان مفروض أقول له حاجة بمعنى: انت محتاج إعادة تأهييل ثقافي أنت ومن شاكلك من بلدياتك الذين تشربوا فكرة الثأر منذ صغرهم...لكني لم أقل...وحتى الآن لست أرى أنه من حقي أن أقول شيئا كهذا...عشان فيه حاجة بتزن في دماغي طول الوقت اسمها نسبية ثقافية...ولأن الإنسان إنسان...كائن شديد التركيب والروافد التي تغذي عقله ثم تفرز سلوكه متشابكة وكتيرة وجديرة بالاحترام...وعلى الخلفية دي يبقى تقنين القصاص أعدل من تركه لشهوة الانتقام -للي شايف الأمر على أنه شهوة انتقام- أو للنسبية الثقافية للي زيي شايف الأمر من منظور أنثروبولوجي!معلش بقى يا أصدقائي الأكثر تحضرا مني...أنا دماغي ماشية كدة! السجان بيزهق أكتر من المسجون "السجان بيزهق أكتر من المساجين"...مين قال الجملة دي؟ حد فاكر؟ يمكن محمد صبحي في "وجهة نظر"...مش فاكرة.. محمد البساطي كتب رواية جديدة اسمها أسوار بس لسة ما نزلتش السوق...كنت الليلة في وسط البلد وسألت عليها لكن ما لقتهاش... أسوار...أسوار.... اسم الرواية خنقني...فكرني بكتاب كئيب قرأت بعض سطوره العام الماضي عن فلسفة السجن...وبعدين ما قدرتش أصمد أمام رمادية الكتاب...رمادية أجوائه وألفاظه...حتى الغلاف كان كئيبا... يمكن تكون أول مرة -مع البساطي- نحس أسوار السجن في كلمات سجان...ابن سجان...ورث مكان أبيه وراء الأسوار العالية...تناوب يكاد يكون لا إراديا على نفس السجناء الذين لا تخلق وجوه السجانين فارقا حقيقيا في أعينهم... ويمكن تكون أول مرة نحس إنسانية السجان -ورفقته من السجانين -حين نعيش معهم فقد عقولهم وصوابهم ونعيش حال التيه المخجل الذي لم يلبثوا أن عاشوه بمجرد أن تركوا الخدمة الميري...وكأن الأسوار الرمادية والسلاسل الحديدية كانت أحن عليهم من أن يلفظوا إلى عالم ما خارج الأسوار...وكأن رمادية العالم المسور كان ما يحفظ اتزانهم العقلي...أو ما يخلق لهم عالما جديرا بالسعي والنهجان وراء نفصيلاته الكابية...وما أن هبت عليهم الحرية ريحا بكل لا انضباطها وجموحها وتهورها وحلاوتها التي لم يُعرفها لهم رؤساؤهم من ذوي السطان الميري, حتى أتت على فتافيت عقولهم ...فبعثرتها ونثرتها...طيرتها. لا أذكر أني توقفت أمام نفسية السجان أو إنسانيته إلا قليلا...مرة لما قرأت عن تجربة أجريت في إحدى الجامعات الأمريكية بإشراف أحد أساتذة علم النفس...الرجل قسم طلبته إلى مجموعتين...مجموعة تقوم بعمل السجانين ومجموعة أخرى تقوم بدور المساجين...وعزل المجموعتين عن مراقبة الدخلاء لمدة أسبوعين وهي المدة التي كان من المفترض لها أن تطول أكثر لولا ما أسفرت عنه التجربة من نتائج مخيفة في مدة الأسبوعين- إذ إن الطلبة القائمين بدور السجانين قد جنحوا عند نقطة معينه إلى التحرش بزملائهم بدنيا مع الميل إلى إيذائهم معنويا! وهنا تدخلت إدارة الجامعة لوقف التجربة...وكانت النتيجة التي وصل إليها المشرف على التجربة أنه ما أن يتاح لأي إنسان أن يلعب دور السجان حتى يحدث انحراف نفسي تلقائي يتمثل في النزوع إلى ممارسة أقصى درجات التسلط على الواقعين تحت إيديه (ربنا ما يجعلنا منهم)! حتى لو كان هذا السجان في الأصل ذا طبيعة "خيرة" أو لو كان هو نفسه في ظروف تانية إنسان بتشر منه الإنسانية! ودي نتيجة تحفظ عليها كثير من قادة الرأي والحقوقيين وأنصار الطرح القائل بأن Human beings are good by nature...المرة التانية التي فكرت فيها في إنسانية السجان كان على خلفية حوار أجريته- وسط مجموعة- مع د. سعد الدين ابراهيم...وقتها اتكلم عن تجربة السجن باستفاضة واتكلم عن الاحتياج المبتادل بينه وبين السجانين.فبينما كانوا يحتاجون إليه ليمحو أمية الأميين منهم وينور عقول مريدي الفهم و الاستنارة, كان هو يحتاج إليهم- بوصفهم مشروع تغيير- كي لا يفقد صوابه داخل المعتقل! أنا مستنية الرواية الرمادية تنزل السوق...فهل من مستني؟!...المواطن المصري...يعدي البحر ولا يتبلش! يمازحني! يقول: في يوم من الأيام وبينما أنا أطالع أخبار مصر على الإنترنت سوف أقرأ خبرا يقول إنه لم يبق في مصر الثمانين مليون مواطن إلا مواطنة واحدة (اللي هي أنا!) وهي المواطنة التي لم تهاجر ليس لأنها استحبت الموت في بلادها الفقيرة على العيش في مدن النور, بل لأن نوبة اكتئاب شديدة أصابتها فأعاقتها عن السير في إجراءات الهجرة!!! ثم يضيف: يا بنتي الشرق الأوسط بتاعكو دة كله منطقة منكوبة...على إيه اللهاث والضغط العصبي اللي انتي عايشة فيه دة؟ اهدي كدة امال..في الشرق الأوسط الفشل نوع من أنواع التكيف مع البيئة المحيطة... والتكيف نوع من الذكاء...يبقى الفشل في الشرق الأوسط نوع من الذكاء! يقول وأضحك..أضحك بصوت عال برغم الكآبة اللي رماها في قلبي الحوار دة اللي استفزته في الأصل الدراسة الميدانية اللي نشرتها البديل من يومين عن المهاجرين غير الشرعيين المصريين...الدراسة جاءت -لاجل حرقة الدم يعني- مشفوعة بحوار مع بعض ممن خاضوا التجربة... وهم من وصفتهم الدراسة بأنهم " شباب نجوا من الغرق خلال رحلتهم لإيطاليا يؤكدون تكرار التجربة لو أتيحت لهم"...! لأ كمان الأرقام التي خلصت إليها الدراسة (قبل ما أنسى الدراسة أجراها مركز الدراسات القومية في القليوبية) أفزعتني بجد...- "85% من حملة المؤهلات المتوسطة و80% من الجامعيين يفضلون الهجرة بطريقة غير شرعية"- 78% من تجارب الهجرة الناجحة تعد إغراء ودافع للمغامرة بالنسبة لهم-رفض 95% من أفراد العينة اللجوء للسفر بطرق شرعية لأن إجراءات الحصول علي تأشيرة الهجرة باهظة جدا من ناحية التكاليف المادية وتستغرق كثيرا من الوقت، وغالبا لا يستطيع الشباب الحصول علي التأشيرة... أنا ما يهمنيش إذا كان اللي ماتوا وبيموتوا وحيموتوا في التجربة دي شهداء ولا مش شهداء...دة مش شغلي...ولا شغل السيد المفتي الأنيق السيد علي جمعة (بالمناسبة أراه أنيقا ووسيما بجد!)...فسبحان الله الحكيم العادل والمصريين طول عمرهم بحكمتهم الفطرية عارفين انه ماحدش مغسل وضامن جنة...ولا إيه لا مؤاحذة؟لكن يهمني سماسرة الموت.وإن كنت ما أراهم إلا ترس في ماكينة كلها على بعضها كدة طاحنة وغير عادلة...مجرد كيانات عشوائية تستفيد تحت جنح الظلام من اختلال الأوضاع في منطقتنا... طفيليون نموا في الرطوبة والضلمة بما لا يثير الدهشة في الحقيقة.ويهمني وجع الأمهات الثكالى حتى الحمقاوات منهن واللاتي يشجعن أبناءهن عن جهل أو جشع.ويهمني كسرة قلب الآباء المكلومين وحَنية ظهورهم إلى الأبد, حتى من كان منهم يغض الطرف عن رعونة التجربة عن سذاجة أو طمع أو حتى عشم في أن يكفي دعاؤه على سجادة الصلاة لحفظ ولده من غدر البحر وقساوة قلب السماسرة...كمان يهمني هؤلاء الفتية الذين رأيت وجوه بعضهم ممن فشلوا في الهجرة فاحتجزوا في كامبات على الحدود أو في الصليب الأحمر في صور وكالات الأنباء فأحسست أني أعرفهم واحدا واحدا...وأني أشاركهم حلمهم بحياة أكرم...وكل ما أملك هو شطر من حلم مش أكتر...للأسف مش أكتر... ويهمني الإصرار دة على خوض التجربة. التي شهد من خاضوها بأنها مخيفة..إصرار أنا بأشوفه مدهش أو على الأقل جدير بوقفة..منذ شهور أذكر أن أخبار الأدب نشرت فصولا من سيرة ذاتية لأحد المهاجرين إلى الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية وسط مجموعة من الفلاحين من أبناء إحدى القرى المصرية...النص مكتوب بأسلوب أدبي راق و ملئ بالتفاصيل الموجعة والتي لا يقدر على الإلمام بها إلا من عاشها لحظة بلحظة , وكمان النص متقدم بطريقة مغرية للقراءة (مش فاكرة جمال الغيطاني ولا عزت القمحاوي اللي قدم للنص)...وقت لما قريت النص ما وقفتش قدامه كتير بالتفكير, اللهم الا ان النص فرادته تنبع من أنه النص الأدبي الوحيد الذي يمكن أن يقع بين يدي القارئ وبه تسجيل دقيق لتفاضيل تجربة هجرة غير شرعية...لكن دلوقتي بافكر في النص بشكل تاني...بافكر انه كان نصا مغريا- بوعي أو بلا وعي وحتى على كل الانكسارات والانتكاسات التي كان مشحونا بها- بخوض التجربة... هل فيما أقول إدانة للنص المغري والكاتب الذي سجل التجربة المغرية والناشر الذي روج لها مغريا القارئ بالإقبال على النص المفخخ ثم القارئ الذي شاور عقل باله وفكر في الموضوع بجد؟ يمكن! وإن كان ليس من عاداتي أن أدين نصا فضلا على أن أدين من خطه ومن روج له ومن استهلكه...و ارجع اسأل نفسي: طب هو أنا لو كنت ولد كنت أخوض التجربة؟ طب لو أخوضها وأموت هل ألاقي مين يترحم علي؟ ولا تشيعني لعنات رجال الدين ممن يعتبرونني منتحرة؟ ولا يمكن لن أعدو أن أكون "رقما" في دراسة يجريها مركز دراسات يحصي فيها عدد من أقدموا على التجربة ففشلوا فيها؟ ولا يمكن يكون خسارة في الدراسة, وكفاية خبر صغير في جريدة معارضة أو عامود أسبوعي لكاتب حقوقي متحمس لقضايا الشباب يدافع عن حقي في التطلع لحياة أكرم...؟!

ليست هناك تعليقات: