الثلاثاء، 23 ديسمبر 2008

My archive restored


لا تفشل قاهرة المعز أبدا في أن تعيدني إلى صوابي كلما جن الغضب في! صالحتني على نفسي أمس رائحة العطارة على أول شارع المعز لدين الله ورائحة المعسل التي تعبق تقاطعات خان الخليلي وتلك الحوانيت الضيقة في بين القصرين والتي أقول في نفسي كلما مررت عليها "سبحان الرزاق"! حوانيت فيها مصابيح صدئة مزخرفة, أكاد أقسم لصديقتي العاقلة الراسية كلما مررنا على أحدها ورأيت تلك المصابيح معلقة أن "يابنتي اسمعي كلامي...المصابيح دي بايت فيها الجن! تعالي ندعكها ونطلب اللي في مشتهانا!" . وأخيرا الجمالية...بيت السحيمي...حيث كان الأبنودي- شفاه الله -ومداحوه ذوو الشوارب الضخمة (كل دي شنبات؟!!) ولكنتهم الجنوبية التي أذوب في خشونتها كمراهقة! مداحون يخلطون مدح الرسول (ص) بغزل الحسان بلعن الدنيا و رثاء الذات! مداحون معهم ربابات كبيرة ومزامير طويلة شغفت بها في فضول طفولي...مزيكا صعيدية كنت أهتز على حضورها ناسية تحفظا يمليه كوني في مكان عام, متصورة نفسي في ثوب جنوبي (ملس) أسود وشعري أغطية بالسواد وعلى ذقني الوشم! أحد المداحين قال بين وصلتين "السلام عليكو وكل عام وأنتم بخير"...ولما لم يرد أحد قال له الأبنودي بلهجته الجنوبية: "إيه يا ود عمي؟ فاكر نفسك في البلد ولا إيه؟ دول أفنديات! ماحدش حيرد عليك السلام!"..فرد المداح في كبرياء لا تخلو من غلظة و"حمقية" صعيدي: "آني حنجول السلامو عليكو واللي عيرد يرد واللي ما عيردش ما عيردش!"...الحقيقة لم يكن ينقصنا إلا "عيارين في الهوا" كي نحس أننا في الصعيد الجواني! الظاهر كدة يا جماعة اننا -وبرغم الشحوب العام الذي يعتري المشهد الثقافي في مصر- مضطرين نقول لوزارة الثقافة "يدوم العز"على النشاط الثقافي اللي بترعاه في القاهرة القديمة.
حاولت! الأيام اللي فاتت حاولت حاولت اتدروش وأعزل نفسي عن كل المعطيات اللي بنتجرعها كل يوم مع الجرايد الصبح وبرامج الtalk shows بالليل ...حاولت أعيش حالة ذهنية مختلفة أكون فيها مع نفسي ...ومع السماء... حاولت أعيش حالة من السلام مع محيطي ولو بالعزلة عنه! قاطعت كل الجرايد بطلت اشوف نشرة الاخبار قفلت موبايلي معظم الوقت بطلت حتى أدون وقررت اني مش حاقرا غير تاريخ أو فلسفة أو كتب مقدسة ومش حاسمع غير ابتهالات أو ترانيم...وإن كان لابد من روايات يبقى مائة عام من العزلة أو الغريب بتاعت ألبير كامو! الصبح شغل...وبالليل أصلي التراويح في المسجد, أسمع التلاوة بتأمل وأسمع الخطبة المبتسرة بين الصلوات وأحاول أوصل للمعاني فيها...إن وجدت!...وبعد الصلاة أتسكع في الشوارع لوحدي بلا هدف في صمت وتأمل...في البيت أناكف في أبويا شوية وأناغش في أخويا شوية...وقبل ما أنام أتخذ كام وضع قرفصائي على سبيل الـ "يوجا" لزوم الاسترخاء!وكدة رضا! حانهب؟!مش عايزة أتعرض لأكتر من كدة...مش عايزة أعرف...مش عايزة أسرق زهرة النار من جبل الأوليمب...لأني مش عايزة أغضب...عايزة أزهد في المعارك الكبيرة قبل الصغيرة... بس ازاي؟! ماينفعش مايمكنش مايحصلش في لحظة سقط الحصار اللي ضربته حوالين دماغي ووجداني لأيام! و زي الباشا كدة رحت برجلي لفرشة الجرايد اللي على ناصية الشارع وجبت جرايدي وزي الباشا قعدت قدام الجزيرة أتابع بلا حدود مع د. سليم العوا عن "النخبة" في بلادنا وما أدراك ما النخبة في بلادنا!وزي الباشا قعدت أقرا أخبار تسيبي ليفني وفوزها في الانتخابات وكلامها "الشاعري" عن ان ابوها -الحاج لفني بقى- رباها على حب "أرض الميعاد" .... يلا بجملت!وزي الباشا سمعت أخبار المواجهات (ولا المناوشات ؟ولا الصدامات؟!طب هي تفرق في حاجة المسميات؟!) بين فتح وحماس وزي الباشا فتحت موقع حركة كفاية و غضبت واتنططت وأنا باتابع أخبار أهالي الدويقة وزي الباشا دمي اتحرق لما سمعت ان الناس مع غلا الحديد بتسرق أجزاء من قضبان السكة الحديد وغطيان البلاعات وكباين التليفونات ...وقطع يابني وبيع!!!! ( السكة الحديد؟ السكة الحديد يا ناس؟؟؟ هي دي مش بلدكو يا بني ادمين؟ ولا هو شعار المرحلة: كل واحد يحلب البقرة ويجري بشوية اللبن الي طالتهم ايديه؟ ) وافتكرت فيلم تسجيلي شفته من فترة عن كنوز الفراعنة, حيث المعلق كان بيقول: وبرغم أن ملوك الفراعين قد أحاطوا قبورهم بلعنات مهلكة تحمي جثامينهم المحنطة وكنوزهم الثمينة, فإن هذه المقابر لم تسلم من اللصوص من عامة المصريين الذين لم تمنعهم من السرقة لا قدسية المقابر وحرمتها ولا اللعنات المهلكة! وزي الباشا اعترفت لنفسي اني زي كتير من الناس مستنية أعرف أخبار وفاء قسطنطين إيه بعد د.زغلول النجار ما "أكد" انها قتلت في دير وادي النطرون! غضبانة بس والله عارفة كمان انه فيه ناس شرفاء بيحبوا البلد دي وبيغيروا عليها...وبابقى مبسوطة كدة ومنشكحة وأنا باقرا عمود جمال الغيطاني في أخبار الأدب وهو محروق قلبه على البلد وبيقول: مش حنسيب بلدنا مهما حاولتوا, أو مقالة فاروق جويدة الباكية الحائرة كل جمعة في الأهرام, وبابقى مبسوطة لما أسمع واحد زي د. العوا وهو بيقول: فيه تغيير بيحصل وفيه نخبة من الشرفاء بيغيروا على الوطن و بيثيروا الوعي ودورهم تاريخي ومهم...لكن لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم...المهم السؤال يظل : أرجع أنا للدروشة تاني ازااااي دلوقتي بقى؟!!!
إلى كل واحد من الناس "اللي فوق" الذين يحسبون أنفسهم بمنأى عن المصائب والملمات (مثلا يعني مثلا زي غرق العبارات وسقوط الجبال والتسرطن وهتك الأعراض في مخافر الشرطة ...بأقول مثلا يعني مثلا) تلك الملمات التي تلم بالناس "اللي تحت" دون سواهم, إلى هؤلاء المتحصنين بالسلطان أو القناطير المقنطرة من الدولارات والاسترليني, أهدي قصة الأمير بروسبيرو...وأنا امرأة كل ما تملك هو الحكايا...يحكى أنه في بلاد بعيدة بعيدة كان طاعون "الموت الأحمر" يهلك الحرث والنسل في البلاد...وطاعون الموت الأحمر ليس أبشع منه, فقد كان له إحمرار الدم ورعبه...قووووم إيه, أمير البلاد –واخدلي بالك- الأمير بروسبيرو لم يكن مكترثا بما ألم بشعبه, المهم أن يكون هو وألاضيشه بمنأى عن الموت الأحمر الذي فتك بنصف سكان بلاده. قووووم إيه, دعا الأمير بروسبيرو إلى حضرته ألف صديق من فرسان قصره الأصحاء ونسائه الحسناوات وألاضيشه الأوفياء, واختلى بهم بعيدا في إحدى أجمل كنائسه البلاد الحصينة...كنيسة لها أسوار شامخة وتحرسها بوابات حديدية لا يقدر على عبورها ولا حتى الموت الاحمر...قووووم إيه, بعدما اجتمع الأمير وألاضيشه في الكنيسة المحصنة, أحضروا الأفران الملتهبة والمطارق الضخمة وقاموا بلحام الالأقفال...وظبطوا نفسهم بقى أكل ومؤن تكفيهم إلى أن تنتهي دورة حياة الطاعون الأحمر الرهيب.قووووم إيه بعد كام شهر كدة شعر الأمبر بضيق في خلقه وكرشة نفس, فدعا إليه كل سكان الكنيسة المحصنة وعمل حفلة تنكرية كبييييييييييييرة عشان يسري عن نفسه...طب عشان أحطك في الجو شوف بقى الحصن اللي بتدور فيه الأحداث نظامه إيه: عندك الكنيسة المحصنة فيها سبع قاعات...لكل قاعة لون وروح وشخصية خاصة بها...قاعة زرقا شبابيكها زرقا وستايرها زرقا وأبوابها زرقا...وقاعة بنفسجي, شبابيكها بنفسجي وستايرها بنفسجي وأبوابها بنفسجي. القاعة التالتة خضرا شبابيكها خضرا وستايرها خضرا وابواباها خضرا...القاعة الرابعة سماوي شبابيكها سماوي وستايرها سماوي وأبوابها سماوي...القاعة الخامسة بيضا زي شعاع الشمس والسادسة صفرا زي سنابل القمح...القاعة السابعة بقى حمرا...في لون الدم...شبابيكها زجاج أحمر في أحمر خلى لون أشعة الشمس أحمر زي نهر الدم...ستايرها حمرا وسجادها أحمر...وقدامها ساعة عملاقة من الأبنوس بتدق كل ساعة دقات عالية ترج الحصن وقلوب اللي فيه...نرجع للحفة التنكرية...بهجة وصخب...أناقة و مرح...رقص وألوان ومزيكا وإياكشي تولع البلاد باللي فيها...الناس رايحة وجاية بين القاعات...إلا القاعة السابعة...القاعة اللي بلون الدم...يمكن لأنها ذكرتهم باللي جاري على الخلق خارج حصنهم, ذكرهم لونها الدموي بالطاعون الأحمر...إيه العكننة دي؟!فجأة...ومع دقة الساعة اتناشر ...ظهر الزائر الغريب...زائر مقنع زي كل الزائرين...لكن رغم انها كانت حفلة تنكرية وللكل حرية اختيار زيه التنكري فإن هذا الزائر أثار الفزع لأنه كان مزودها حبتين...ذلك أن الزائر الغريب كان يلبس كفنا...كان مكفنا من رأسه إلى أخمص قدميه فبدا كجثة متيبسة, ومن كفنه يقطر الدم بلونه القاني...إنه يذكر الحضور بما يسعون جاهدين كي ينسوه...بالموت الأحمر الذي يأكل البلاد خارج أسوار حصنهم...الأمير بروسبيرو اتلبش! غضب...زعق...صرخ... :من ذا الذي يجروء على إهانتنا بهذه المهزلة الكافرة؟! أمسكوا به واخلعوا عنه قناعه لنتعرف على هذا الذي سنعلقع على شرفات الكنيسة عند شروق الشمس.... ألاضيش الأمير يحاولون اللحاق بالزائر المكفن الذي بدأ يتحرك بانسيابية ودون خوف من القاعة الزرقاء إلى الخضراء إلى البيضاء ثم الحمراء المقبضة...والناس هايبة...خايفة تمنعه أو تمسكه أو تلمسه... الأمير بروسبيرو الوحيد اللي استجمع شجاعته وجرى إلى القاعة الحمراء يواجه الزائر المرعب وفي يده خنجره, وما أن واجه خصمه حتى صرخ صرخة مروعة وهو يسقط على السجادة القانية ميتا! يالهوي!! لقد أصيب الأمير بطاعون الموت الأحمر ومات!!!!...وهنا نعرف أن الزائر نفسه يا سادة يا كرام لم يكن إلا الطاعون الأحمر الذي أبى إلا أن يقتص "للناس اللي تحت"...أبى الموت الأحمر إلا أن يكون أعدل من "الناس اللي فوق" فاجتاح الحصن الحصين وأجهز على كل من فيه بلون الدم...توتة توتة فهمتم الحدوتة؟!**قصة حفلة الموت الأحمر التنكرية-إدجار آلان بو
أصيلة يا عزيزة! تقول الحكاية, والعهدة على الويكيبيديا (!), إن السطان المؤيد قد حبس في خزانة شمال مصر التي كان يسجن فيها المجرمون، وحدث أن قاسى المؤيد في سجنه في ليلة من البق والبراغيث، فنذر لله تعالى إن تيسر له ملك مصر أن يجعل هذه البقعة التي كان بها السجن مسجدا لله عز وجل، ومدرسة لأهل العلم، وقد أوفى بنذره لما ربنا كرمه.وأنا لي عند الله حاجة, وفي رقبتي نذر, تماما مثل السلطان المؤيد, لذا فأنا الليلة صليت تراويحي في مسجد السلطان المؤيد في الغورية...بينما أصلي كنت أدعو, وفي دعائي بكيت فإذا بامرأة شابة تلبس السواد كانت إلى جواري تدعو الله وتسمي حاجتها, فما أن رأتني باكية حتى أوقفت دعاءها لنفسها وأهلها وكفت عن الإلحاح لخاطر حاجتها هي وبدأت تدعو لي أنا : "النبي يا رب اسمع منها...النبي يا رب فرج كربها...يا رب أنا ماعرفش انت اللي عارف وشايف حالها خليك معاها...والنبي يا رب ما تسيبهاش مكروبة كدة!" هكذا تسجد وتقوم داعية لي أن يفرج الله كربي, وظلت تدعو لي حتى وهي تلملم أشياءها مغادرة المسجد من دون أن تتطفل علي ولا تقتحم خصوصيتي ...من دون أن تتواصل معي على أي مستوى, اللهم إلا بإشارة كفيها المضمومين لي بينما تدعو وكأنما "تؤكد" على الله أني أنا التي اختصتها بالدعاء! هكذا دعت لي الغريبة ثم فارقتني ولا هي تعرفني ولا أنا أعرفها ولا هي تعرف ما كربي ولا أنا سألتها الدعاء...لكنها سمت حاجتي قبل حاجتها أمام الله, وهي امرأة ليس لها إلا الله...في طريقي لبيتنا وجدتني شاردة أقول في نفسي : والله الست المصرية دي مخلوقة جميلة وقلبها حلو...جدعة و أم بالفطرة تيجي على نفسها وتنكر روحها عشان حد محتاج...مؤمنة وعشمانة في ربنا كتير...غيرش بس يا ربي الفقر والغلب!

ليست هناك تعليقات: