الثلاثاء، 23 ديسمبر 2008

My archive restored


يقترب من الستين يهدوء من عاش حياة بالفعل حافلة أشبعته ولا ضير أن يفارقها الآن,فقد شبع!...لا يجزع للشعر الفضي يغزو رأسه ولا يجزع لزهد الحسناوات في مجالسته...لكن هذا لا يمنعه من أن يظل محتفظا بأناقته...أناقة حضوره وأناقة مداخلاته وأناقة نكاته وأناقة الروايات التي يرشحها للقراءة في مجالسنا... قبل سنوات التقيته وطال الحديث بيننا عن الرواية والسياسة وأدب التغيير وثرثرة محفوظ فوق النيل...قال لي: ليه المثقف يركن للرواية السياسية الرمزية والحدق يفهم؟ ليه؟ خايف من إيه؟ ليه المثقف يستدعي من بطن التاريخ مواجهات ومواقف مات أصحابها وشبعوا موت, عشان قال إيه يعمل إسقاط على الواقع السياسي المعاصر...المثقف الحقيقي هو اللي يعالج الواقع بلغة الواقع...يوصل رسايله من غير رمزية...من غير خوف ولا إسقاط... هكذا قال... بعدها بعام واحد, وقعت بين يدي مجموعة قصصية كتبها هو...طرت بها إلى حجرتي لأقرأها بلهفة...وكانت المفاجأة!!! المجموعة القصصية الملغومة سياسة وإدانة للواقع السياسي المعاصر كلللللللللللللها رموز! كلها فانتازيا وإسقاطات غير مباشرة على الواقع ورسايل ضمنية فيها تحريض على الثورة على الاستبداد وطبائعه... والحدق يفهم!آه وربنا! طب كان ليه الكلام الكبير من الأول بس؟! ما قلنا كدة من الأول قالوا اطلعوا م البلد!..لازم يعني نعمل فيها السبع رجالة؟ ما علينا... أنا شخصيا معنديش مشكلة مع حكايات الربابة المشاغبة ولا قصص الفانتازيا المحرضة ولا استدعاء التاريخ أ والقصص القرآني أو قصص العهد القديم لاستخلاص العبر واستنفار همم الخلق..معنديش مشكلة مع مسرحيات سعد الله ونوس التاريخية الفانتازية اللي بيشد بيها ودني ويطالبني أنفض خوفي وسلبيتي كما أنه ليست عندي مشكلة مع مسرحيات صلاح عبد الصبور الشعرية أنيقة اللغة التي تنضح رفضا للواقع...معنديش مشكلة مع مراوغة الحكواتية خوفا من البطش...بالعكس...دة أنا مشغولة أكتر من أي حاجة بالحكواتية الخايفين وحكاياتهم الذكية اللي قدرت دايما وعلى طول أجيال تتسرب غصب عن عين الغواشم لعقول الناس وأعصابهم وتترسب في وجدانهم الجمعي...في التكايا وعلى المقاهي, على الأرصفة, في الأزقة والمنعطفات...والمدونات...يا ريت كل اللي فينا يقدر يمرر قصة مراوغة ذكية يمررها...وأنا بألزم نفسي بدة...كل ما أقدر أمرر حكاية تونسكو وتهديكو فكرة أو عبرة أو توقد الروح الخامدة حامررها... صديقتي الرسامة المخبولة قالت لي يوما وقد سألتها -كعادتي- هو ربنا خلقني عشان أعمل إيه في الدنيا غير اني أحكي حواديت يعني(!), قالت: وهي حكاية الحواديت شوية؟ انت بتستهوني بالحدوتة؟ انت أصلا لو كان ربنا خلقك بس عشان تحكي حواديت يبقى كفاية عليك أوي ... ما يمكن دة هو جهادك وسر وجودك في الدنيا ! بالحواديت -أقصد ب "أحسن القصص"- عرَف الله رسوله على تاريخ الأمم من قبله ...و بالحواديت -التي كانت دوما تبدأ بذكر النبي عليه الصلاة والسلام تماما كحكايات أبو زيد الهلالي-عرفتنا جداتنا وأمهاتنا على الحياة...وبالحواديت يمكن أن تعيش بيننا "لا" قوية ذكية أنيقة لا تفقد بهاءها ورونقها بمرور الزمان و ما يقدر على احتجازها سجان. فلا تبخلوا على من حولكم بحواديتكم دام عزكم...!
لجنة؟؟؟هي فيها لجنة؟! اتحاد المدونين المصريين( تحت التأسيس)...أنا يا دوب باقول ياهادي وباخد فكرة في السريع مين دول وبيعملوا إيه وألاقيلك كلمة "لجنة العضوية"...أنا شفت كلمة لجنة و يا فكيك...أصبحت المسألة بالنسبة لي حكاية بلا بداية ولا نهاية...لجنة؟ هي فيها لجنة؟ واللجنة الأم تنبثق عنها لجان فرعية وكدة؟ لا لا لا لا...مع كل التقدير للمجهودات الهادفة لتنظيم النشاط التدويني ومأسسته وهيكلته, فأنا أعترض! فأنا بطبيعة التكوين كدة عندي معاداة للتنظيم والمأسسة والهيكلة...معلش...أنا والحمد لله عايشة أخيرا وباختياري حالة من الفردية اللا إطارية يسعدني أن أكرسها على الأقل إلى حين, فأنا لا أنتمي لا لمؤسسة ولا حزب ولا جماعة ولا نقابة ولا أعتبر نفسي جزءا من مشروع بعينه ولا عايزة أقف قدام لجنة أساسية ولا لجنة فرعية ولا عايزة أملأ استمارات عضوية على كل ما تقدمه هذه القوالب الشكلية من دعم وروح فريق وتنسيق وكلللللللل الكلام دة... لجنة؟ يا نهار...حتى التدوين بقى فيه لجان؟؟ لجنة؟ يا سنة سوخة يا ولاد...قال لجنة قال؟! واللجنة دي ليها رئيس وأعضاء وكدة؟ يا لهوي! ولما تتقدم بطلب للجنة يقوموا أعضاء اللجنة ينظروا الطلب ويردوا عليك في يوم ستة منه وكدة؟ يا ديني! صحيح...المصري حيفضل مصري يمووووووووت في اللجان ! ما يقدرش يعيش من غير لجان رئيسية تنبثق عنها لجان فرعية...احنا بنتنفس بيروقراطية...ولما ربنا فتح علينا بهذه المساحات الحرة نسبيا اللي اسمها مدونات عملنا لها لجنة! مش كفاية علينا الشرطة الإلكترونية؟ لجنة؟؟ دة اسمه كلام؟ لأ وما عرفش مجلة إيه كدة عاملة مبادرة عشان تنشر للمدونين...بس بشروط من بينها سلامة اللغة العربية...يا جدعان التدوين كدة بيتفرغ من مضامينه...سيبوا تيار التدوين يتدفق في الاتجاه اللي تأتي به الرياح وبالحلة اللي اختار أن يتلبسها إلى أن يضبط التيار نفسه ويحدد مساره وتنضج رؤيته...إنما لجنة؟ لجنة يا ناس؟؟؟ هي وصلت لكدة؟دي حتى كلمة لجنة كفيلة تقتل شاعرية أي فكرة وتجهض أي حلم...لجنة؟؟! ليه بس كدة؟!
أنا شخصيا لست أرى في فيديو الشيخ المغربي المتشنج هذا نموذجا للخطاب الديني السائد في بلادنا بقدر ما أرى فيه نموذجا لحالة التشنج المتسيدة على الوجدان الجمعي العربي في الفترة الراهنة...حالة من الاختناق وفوضى الحواس...حالة من الإحساس بالعجز والاغتراب المقترن بعدم القدرة على التغيير وعدم القدرة على "الطناش" في نفس الوقت...والأدهى انعدام الصبر على الأقل حتى تنضج ثمار الغضب والاحتقان...لما شفت الفيديو دة افتكرت مرة كنت باتكلم مع دبلوماسي ألماني نزيه وأنيق كدة بعد أزمة فيلم فتنة الهولندي...الراجل اللي كان جاي مصر ضمن وفد ألماني رفيع المستوى بقى وحاجات خدني على جنب وسألني: "هو الناس بجد غضبانة عشان الرسوم المسيئة وفيلم submission وfitnaو كدة؟ يعني زعلانين يعني؟ يعني حاسين بإيه انتو المسلمين؟ اشرحيلي والنبي...حاسين بإساءة وكدة بجد ولا التشنج دة تمثيل ولا إيه؟ أصل احنا في أوروبا مش فاهمين ومش مصدقين بصراحة...وبعدين ازعلوا بقى ولا اتفلقوا احنا في أوروبا طفحنا الدم عشان نحصل على حرياتنا المدنية ومش مستعدين نتنازل عنها عشان عيون المسلمين...sorry" أقوللك إيه بس؟ كل يغني على ليلاه والحرية بتاعتك على عيننا وراسنا يا سيدي...بس المسألة أكبر وأعقد من أن تفهمها يا عم الأمور... والتراكم الذي يصل بأمة إلى حالة التشنج والغضب والقهرة اللي عليها سيدنا في الفيديو دة واللي عليها رد فعل الناس في الشارع إزاء الرسوم وفيلم فتنة واللي عليها وجوه الناس في المظاهرات العمالية والطلابية هو تراكم عوامل كثيرة تكاثفت على وعي هذه الأمة الجمعي على مدار عقود طويلة ...تاريخ من العواطف والمعتقدات والخصوصية الإيمانية والخطب الحماسية والقهر السياسي والاقتصادي والجهل والغضب والتعمية...تاريخ أكبر من أن أختزله لك يا عم النزيه في قعدة الشاي والبتيفور الشيك اللي احنا قاعدينها دي...بالمناسبة دي كيفني جدا الحوار الذي أجراه إسلام أونلاين مع د. سيف الدين عبد الفتاح واللي اتكلم فيه عن الاحتجاجات والإضرابات الأخيرة التي تشهدها مصر وهو ما أطلق عليه عمنا سيف الدين " الشعبوية السياسية"...إيه الكلام الكبير دة؟ أيوة كلام كبير ومهم ولازم يتقري بالراحة وبهدوء ومن غير تشنج...لأن فيه دعوة للتصبَر إلى أن تنضج ثمار الغضب حتى تنبت فعلا ًاحتجاجيا منظما طويل الأمد قادرا على إحداث تغيير بحيث لا تقف الأمورعند حد تكسير اللوحات المؤطرة المعلقة على منابر المساجد والدق بالعصي على أرضياتها كما يفعل سيدنا في الفيديو...كما أن في الحوار تذكيرا ببيت الشعر "السلطان ليس إلا في خيالك" وهي دعوة "مشاغبة" أحببتها لتحرير العقول والإرادات من سلطان الخوف. وفيه, وهو الأهم, دعوة للمراكمة بصبر ودأب لحين يأذن الله بالخروج من هذا النفق المظلم..وأما نشوف!
صحبتي الحلوة...أبهى من عرفت من أبناء هذا الوطن ...رحلوا عنه وعني...أو هم على رحيل...الأكثر إخلاصا...الأكثر صدقا...الأكثر رغبة في البقاء والأكثر زهدا في الرحيل ممن عرفت من أبناء مصر رحلوا عنه...أو هم على رحيل... وفي كل مرة يهم صديق أو حبيب لي بالرحيل عن مصر وعني لا أملك إلا أن أقول وأنا أشد على يده: مبروك... مبروك ألمي واغترابي ووحدتي من دون صحبتي الأحلى...مبروك على هذا الوطن أن يشيخ وحده من دون أن يكون أبر أبنائه على عتباته يصلون لأجله...أن تنفرط حبات مسبحته الأطهر فلا يقدر على الانحناء ليكبش براحته ما انفرط منها وجرى هنا وهناك, فيلملمه في حجر جلبابه...مبروك أن تطردنا أوطاننا بابتسامة عجز تراها في عيني أم فقيرة تشيع بها أبناء لهم اشتهاء أكبر مما تخفي هي من قروش في حمالة صدرها الضامر...نظرة أم أعجز من أن ترضي الأبناء الكل ومنهم أكالون لا يشبعون...ومنهم من يرضيه -وإن كان يعجزه - الرغيف... ميمون سفركم يا أصحابي الذين رحلوا عن مصر...ويا من هم على رحيل... لكن بالله عليكم حين يسألونكم عن مصر...قولوا: مصر حلوة...قولوا إنكم ما رحلتم عنها إلا لأنكم جاحدون...أو لأنكم كنتم أضعف من أن تقفوا في طابور الخبز نهارا كاملا طويلا موصولا بليل كامل طويل...أو لأنكم كنتم أرهف حواسا من أن تحتملوا روائح الأقبية المظلمة النتنة المخلوطة بصراخ المعلقين المسلسلين المألومين الجزعين...أو لأنكم ما صبرتم صبر المؤمنين حتى تنفك الكمامات المزمومة على الأفواه المحشوة بألفاظ الغضب والاشتهاء والافتقاد والتطلع ...وحتى تنحسر الغمامات عن العيون العسلية ملؤها صلاة وعتب وصبر واستعجال للمكتوب المحجوب... قولوا إنكم رحلتم لأنكم زهدتم صوت الأذان ينبعث في لحظة بعينها من ألف ألف مئذنة...أو لأنه قد مصت أعينكم أحرف صحف المعارضة ولوث أيديكم حبرها بما فيه الكفاية...أو قولوا لهم ببساطة إنكم مللتم مجالستي ومضاحكتي على مقهانا المزدحم في وسط القاهرة...قولوا أي شئ...وهكذا اختموا دوما عباراتكم الممطوطة : " مصر شهية كامرأة تحممت لتوها بالطيب وزيت اللوز...وأما الحزن في تقاسيم وجهها فهو حزن امرأة منتظرة...وفي كل انتظار وجع...ولكل انتظار آخر..."

ليست هناك تعليقات: