الثلاثاء، 23 ديسمبر 2008

My archive restored







حين التفت إلى أن العالم بالأمس احتفل بعيد الهالوين, تلك الليلة التي يعتقد أن الأرواح العاصية والقلقة وأرواح السحرة الشريرين تعود فيها من البرزخ لتعم العالم حتى مطلع الفجر, فكرت أننا في بلادنا لدينا ما يكفي من الأرواح الشريرة وحكايا الرعب على مدار أيام السنة بحيث تنتفي خصوصية يوم الهالويين عندنا! أنا مثلا ارتعبت واشمئز قلبي حين سمعت بأمر الطالب الذي قتله مدرسه ضربا في الإسكندرية قبل أيام...وهل تخيف حكايات السحرة الذين يحتسون دماء الأطفال ممزوجة بطحين عظام الموتى أكثر مما تخيف قصة طفل الإسكندرية؟ وارتعبت من جديد حين قرأت أن منظمة العمل الدولية قدرت أن الأزمة المالية لم ترنا الأسوأ بعد, وتتوقع أن ترتفع نسبة البطالة وأن يفقد الملايين حول العالم وظائفهم بنهاية العام الجاري (يعني خلال شهرين...كل واحد يخلي باله من لغاليغه بقى!) أوليست هذه التقديرات أخوف من كل الهياكل العظمية المتحركة في العالم؟!وارتعبت حين انفتح من جديد ملف وفاء قسطنطين منذرا بكارثة, واغتممت وأنا أقرأ بعض تفاصيل حياتها وأتخيل لحظات الألم والحيرة التي قد تكون مرت عليها ثقيلة الوطأة, وأنسج في عقلي تخيلات لشكل حواراتها الداخلية وأرسم في الفضاء دوائر ارتباكها ووحدتها وموجات فزعها في مواجهة غضبة لم تعرف هدوءا منذ سنوات...هذه المرأة التي لا أدري ما في صدرها ولا يعنيني في شئ ما تؤمن به ولا ما في دخيلتها, فسبحان الله الذي يعلم السر وأخفى من السر, أدعو الله لها أن يكون السلام عارفا طريقه إليها. أوليست هذه الحكاية نصف المكشوفة نصف الغامضة نصف المفهومة نصف المنتهية أكثر إرعابا من اليقطينة المرعبة ذات الثقوب (اللي هي في الصورة فوق دي) والتي تزين مداخل المنازل في الغرب لتذكر الناس بأن العالم واقع لليلة كاملة تحت سيطرة ساحرات شريرات تطرن في الهواء على مكانس خشبية (أي مقشات!)؟! وفي كل مرة أقرأ فيها عن حادثة تعذيب في أروقة مؤسسات بلادي الأمنية أموت في جلدي رعبا و تتلبسني روح ولية مكسورة وأجدني أقول بتلقائية "النبي يا رب يا حنين ما تكتبها على غالي ولا حبيب!"...هي حوادث في تصوري لا تباريها حتى أكثر حكايات الجنيات والمسوخ وأبو رجل مسلوخة جموحا.بقى بالذمة... أولسنا في بلادنا نشهد في كل سنة ألف هالوين وهالوين؟!








برغم الإحباط والإجهاد والخوف من الألم المختبئ في الأيام القادمة...إنه الخريف!الخريف... حيث أتوازن مع الكون أكثر من أي وقت آخر...يقولون إننا نتوازن مع الكون أكثر ما نتوازن في الأيام الأقرب ليوم ولدنا وأنا ولدت في الشتاء ومهما يكن ما يقولون وبغض النظر عن مدى علمية المعلومة, فأنا يبدأ توازني مع نفسي والكون مع الخريف! أنا أعرف نفسي أكثر من الكل!أتسلل إلى المطبخ في مكان عملي, أقف أمام النافذة آكل وأحتسي الشاي الأخضر شاردة وأنا أتأمل تلك اللبلابة التي تتسلق النافذة بصبر مدهش ومن ورائها تبدو الأغطية المنشّرة على أحبال الغسيل في الشرفة المقابلة..."كوفرتات" ملونة ومزركشة, غسلت على ما يبدو استعدادا لأن تخزن وتحل محلها أغطية أخرى أكثر دفئا... إنها طقوس البيت المصري التي لا تتغير!أتذكر صديقا أفغانيا إذ قال لي بعربية متكسرة قبل سنوات "أنا مش عايز حاجة كتير من الدنيا...عارفة...أنا بس عايز أرجع بلدي وأقعد هناك شارد...مش عايز حضارة ولا شهادات...عايز بس أرجع بلدي حتى وسط الخراب والألغام والناس الجهلا, وأكون لوحدي شارد كدة وبس!"أختزن حديثه هذا إلى هذه اللحظة...حديث فهمته اليوم أكثر ما فهمته أمام نافذة المطبخ الصغيرة حيث تركت عقلي نهبة للشرود زاهدة في كل الأشياء إلا رائحة الخريف.في كل لحظة يجري من حولي أمر أفكر أنه جدير بأن أدون عنه كلمة أو كلمتين, سطرا أو سطرين...ولا يمنعني إلا لهاث الحياة اليومية في قاهرة لا ترحم...كتلك الحلقة التي سجلتها قناة الجزيرة مع جمال الغيطاني فقال فيها ما قال عن مصر المملوكية وعن المسافر خانة التي احترقت أعصابه أسفا عليها لمّا احترقت...أردت ليلتها أن أدون شيئا عن الغيطاني...لكن مكتبي الصغير الذي تتراكم فوقه أوراقي أنذرني بأن التدوين يعني المزيد من التأخير في عملي فمشيت إلى مكتبي مستسلمة أعمل حتى انتهت الليلة وما فرغت من عملي!في ليلة أخرى وجدتني أفكر في أحداث فيلم شوكولا وفي الأجواء الساحرة التي دارت فيها أحداثه...والفيلم- لمن لا يعرف- يحكي قصة امرأة تطبخ الشيكولاتة الشهية المحشوة بالتوابل والمكسرات والفواكه و تؤمن بأن لكل شخصية مفتاحا من الشيكولاته بشرط أن تتختار له نوع الشيكولاتة الذي يتناسب مع طبيعته ومزاجه فتتسلل إلى دخيلته تسللا حلوا شهيا...تفتتح السيدة محلا للشيكولاتة في بلدة فرنسية مسيحية محافظة في وقت الصيام الكبير فتشتبك بذلك في معركة مع كنيسة البلدة ممثلة في الأب الكاهن راعي الكنيسة وتسير الأحداث نحو قدرة المرأة على تغيير المزاج العام للقرية وتحدى تدينها وتقاليدها الجامدة من دون سلاح سوى الشيكولاتة! لحظة راودتني صور الفيلم كنت أقرأ أوراقا عن حقوق الإنسان والنسبية الثقافية وعن المابعد حداثة و




:" إن تفكيك المرويات ذات الطابع الشمولي يعتبر خطوة حتمية في سعى حركة مابعد الحداثة الى رفض الثقافة الغربية الليبرالية"! هكذا يقول باحث متحمس!...ولسبب ما وجدت عقلي ينسج رابطا ما بين فيلم شوكولا وبين كلام الباحث المتحمس على تقعره! أوليست الشوكولا في الفيلم تشبه حركة حقوق الإنسان الكونية بكل ما لها من جاذبية وبريق وكذلك كل ما هي موصومة به من كولونيالية جديدة واستعمارية فكرية وتسرب إلى أعصاب الثقافات المحلية وخلخلة أبنيتها التقليدية؟ أوليس هذا هو "الكلام الكبير" الذي يقال في دوائرنا الأكاديمية والثقافية بلغة متقعرة عن الحرب الثقافية الكونية والذي قدمه فيلم شوكولا في قالب ساحر؟ فكرت أن أكتب شيئا ما ليلتها عن "الشيكولاتة وحقوق الإنسان" وانفتحت شهيتي للفكرة...لكن من جديد...كان علي أن أخلد للنوم مبكرا قدر استطاعتي حتى أبدأ في اليوم التالي مسيرة اللهاث اليومي! في ليلة أخرى اشتطت غضبا وأنا أنصت إلى النشرة, والمذيعة الأنيقة تقول بوجه محايد : العراق أكبر مستورد لمواد البناء في العالم, ليس لتدعيم عملية إعادة الإعمار ولكن من أجل تقطيع أوصال مدن العراق بجدر خراسانية ضخمة أشبه بالجدار العازل في الأراضي المحتلة للسيطرة على الإرهابيين, الأمر الذي كان من نتائجه قطع الطريق بين المواطنين ومحال أرزاقهم!بعدها بأيام عرضت الجزيرة فيلما وثائقيا عن الهجرة غير الشرعية وما يلاقيه المهاجرون من عذابات في رحلتهم, ومن بينهم عراقي تقطعت السبل بينه وبين محل رزقه فقرر هجرة بلاده وفيها زوجته وصغاره, وكل أمله أن يترك وشأنه كي يلحق بأحد أقاربه الذي يملك محل فول وطعمية في فرنسا...هذا هو الحلم كل الحلم! محل الفول والطعمية...محل فول وطعمية في فرنسا يذهب إليه مرورا بأصقاع أوكرانيا سيرا على القدمين أو معبئا في ماسورة أو صندوق قمامة! لا يهم! المهم أن يصل إلى حلمه...محل الفول والطعمية! تماما كرجال غسان كنفاني في روايته السوداوية "رجال في الشمس"...رجاله الذين ماتوا مختنقين في صهريج حديدي مخصص لنقل الزيت على ظهر شاحنة بينما يهربهم مهرب مخضرم ذو باع في عمليات تهريب المتسلليلن عبر الحدود البرية من فلسطين إلى العراق و منها إلى الكويت من أجل لقمة العيش العصية.ألا لعنة الله على الجدر العازلة ومواد البناء ومستورديها و مصدريها في يوم واحد!يومها أردت فقط أن أسجل على مدونتي "بصقة" كبيرة بحجم تدوينة من القطع الكبير! لكن كان علي أن أكون في محل عملي خلال نصف ساعة! لا وقت للبصق إذن! بعبارة أخرى "مش عارف أتــُف"!في أمسية أخرى وجدت في بريدي شيئا ما عن إطلاق حركة "عوانس من أجل التغيير"...صفقت و"اتطنطت" من أجل هؤلاء "العوانس" اللائي يسعدني أن أنضم إليهن –على الأقل إلى أن يقضي الله أمرا!- واللاتي قلنها بصوت عال: لم نتزوج حتى الآن ببساطة لأننا لم نتزوج وليس في الأمر وصمة ولسنا مضطرات للاعتذار للأهل والأقارب عم لم نقترفه في حق أحد بل اقترفه المجتمع في حقنا...ليست نهاية العالم أن نحيا من دون رجال! ملعوبة يا بنات :))الطريف أني اكتشفت ساعتها وببعض البحث على الإنترنت أن لفظة spinster وهي المرادف الإنجليزي لكلمة عانس ظلت هي الأخرى و لفترة طويلة في أوروبا وصمة ومعيرة برغم أن اللفظة ذاتها بريئة إذ تعني "المرأة التي تغزل" وكانت الفتاة التي يفوتها قطار الزواج وتظل في "أرابيز أمها" تغزل وتنسج الكنزات الصوفية في بيتها لتتمكن من الإنفاق على نفسها...لفظة بدأت بريئة لكنها لم تظل كما بدأت أبدا!في تلك الأمسية أردت أن أضع على مدونتي "سأفة"/(تصفيقة) كبيرة لمن "جرؤن" وأسسن الحركة...لكني تذكرت أن الموعد النهائي لتسليم "الشغل" يحين في صباح اليوم التالي وأني علي أن أحجّم إحساسي بالإثارة عشان أركز وأشوف أكل عيشي! لا وقت للتصفيق كما البصق!أما بالأمس فكنت أتحدث إلى فتاة "جامعية" من أولئك الذين لا ينجح التعليم الجامعي غالبا في أن يغير شيئا في عقولهم وهي ممن "يملكون الحقيقة المطلقة"...كان الحديث عن الإسلام والمسيحية وحقوق الإنسان...كل الاتهامات والدفوعات والأطروحات والأطروحات المضادة والكلام الكبير اللي من النوع دة...وصاحبتنا هذه لا تجادل...فقط تحسم الأموربأسلوب تعليمي استفزازي على طريقة "اسمعي مني أنا...أنا عارفة أنا بأقول إيه كويس...الدين حاجة وحقوق الإنسان حاجة...لما تتكلمي عن حقوق الإنسان ما تجيبيش سيرة لا الإسلام ولا المسيحية!" وكأنما تخشى من أن يلوث الدين حركة حقوق الإنسان أو أن يتلوث بها! تقولها طاعنة في شرعية المناقشة من الأصل وفي حق أي من الموجودين في أن "يقترف خطيئة" التفكير في العلاقة بين الدين وحقوق الإنسان!يا بنتي طيب دي مناقشة دايرة في الدنيا كلها...العالم كله بيقول حاجة ساقعة حاجة ساقعة! ودي أبدا...اللي طالع عليها "مافيش علاقة..مافيش علاقة...الكلمتين دول مش لازم يوردوا سوا في جملة واحدة!" نهار اسود! طب اقنعيني طيب...قولي حاجة مفيدة...قولي معلومة قولي أطروحة قولي مثال قولي نظرية قولي فكرة...قولي أي حاجة غير "أنا عارفة أنا باقول إيه" المستفزة بتاعتك دي! وانتهى النقاش الذي لم يبتدئ أصلا بأن احتددت عليها وأسكتها بعدوانية...غصب عني والله! وكيف يمكنك أن تتعامل بدم بارد مع أمثال هؤلاء المجادلين الذي يتظاهرون بالعلم قبل أن يفتضح أمرهم وتكتشف أنهم جهلاء خاوون أكثر خواء من فقاقيع الهواء التي -على الأقل- تمتلئ بالهواء(!) لا هم يعرفون ولا هم يعترفون أبدا بأنهم لا يعرفون!تركتها غاضبة أشتهي الكتابة وتستعصي عليّ لشدة ما كنت غاضبة!بالأمس أيضا وبعد أن تخلصت من تأثير حوار الطرشان مع صاحبتنا "حاملة الحقيقة المطلقة" هذي , قررت أن أغازل مدونتي قليلا, لكني توقفت لوهلة أمام مقالة متميزة على موقع البديل عن تلك القروية الصعيدية التي قاتلت الذئب والأخرى التي قتلت السلعوة بالمنجل...كاتبة المقالة تشير عرضا إلى نسبة النساء المعيلات في صر وكأنها تتساءل ضمنا "هو ياختي الرجالة جرالها إيه؟!" أو "خدنا إيه من الرجالة يغر حلاقة الدقن!" ...قرأت المقالة وقلت في نفسي: الست خدت الكلام من على طرف لساني...خلاص نكتب في يوم تاني بقى!بعدها بساعات علمت من صديقتي العاقلة الراسية بأمر قتيلة المترو, تلك الشابة التي قتلت سحلا اتحت عجلات المترو بسبب الإهمال واشتطت غضبا من جديد وقلت: لأ لازم أكتب وأردح بالبلدي كمان! ثم ذكرت نفسي بأن المصري لا أرخص منه وبأن "ردحي بالبلدي ولا بالشامي حتى" لن يغير من الأمر شيئا.. إنه الإحباط وقد نجح في التسلل إلى نفسي ...صح؟ثم جاء صباح اليوم...جاء أقل ضغطا من الأيام الأخرى... في الصباح وبينما أحتسي قهوة ما قبل اللهاث أمام الجزيرة لمحت شطرا من برنامج يوثق لجهود امرأة ألمانية تشاطر نسوة الصحراء السورية جفاف حياتهن الصحراوية, تعلمهن الأشغال اليدوية وتساعدهن على تسويق ما ينتجن في أسواق أوروبا والعالم العربي حتى لا يهجرن الصحراء بحثا عن بريق حياة المدن فتزداد الصحراء تصحرا وتوحشا...رأيتها ,المرأة البيضاء البضة, تحارب الصحراء بثبات... حربا ابتدأت خوضها قبل سنين. رأيتها وسمعتها تتحدث بلهجة شامية صحراوية لا تتناسب مع عينيها الزرقاوين وشاهدت السوريات الصحراويات يتحدثن أمام كامير الجزيرة بحياء ممزوج بقوة وهن يروين كيف اختلفت حياتهن وحياة أسرهن بأن أصبحن منتجات وتعلمن كيف يتحلين بروح الجماعة وينمين مجتمعهن لا بتمويل الأجانب وإنما بما عملت أيديهن وكيف يحفظن مجتمعهن البدوي من أن تفض بكارته سيرة المدينة وأطماع المدينة ...فقلت في نفسي "طب ما في حاجات ماشية صح في الدنيا أهو! أمال أنا محبطة ليه؟!" وابتسمت راضية.في العمل, أمر على بريدي فأجد مكتوبا من صديقي وزميل دراستي,الفتى الشيوعي الوسيم إذ يقول ببساطة تدهشني إنه مصاب بهلاوس بصرية تجعله يرى رؤوس الناس منفصلة عن أجسادهم أحيانا وإنه يحارب هلاوسه البصرية ليل نهار على أمل أن تفارقه في يوم ما قريب!ثم يختم مكتوبه بملحوظة سعيدة "أزمة النظام الرأسمالي العالمي تبهجني! اهتمي بنفسك...قبلاتي"هكذا ببساطة يشوه وعيي و يومي في سطور بقصته المخيفة عن الرؤوس المنفصلة عن الأجساد ثم يرسل لي قبلاته! هكذا يحاكيني عن هلاوسه البصرية التي لا تفارقه وهو يعرف أني أجزع حتى من الهلاوس التي لا تزورني إلا في نومي وأني أصحو منها باحثة عن "حد كبير" يخبئني ويحميني... يعلم هذا أكثر من سواه هو الذي لطالما أيقظته بالهاتف في قلب الليل باكية جزعة من كابوس ما! أشياء وأشياء وأشياء...بعضها يوجع وبعضها يغريك بأن تحيا ما وسعتك الحياة...أشياء بعضها جدير بالتدوين وبعضها غير جدير حتى بالذكر... لكني أدونه لأني فقط بحاجة إلى أن ألفظه خارجي حتى لا يتسمم به بدني. لكني منشغلة هذه الأيام لدرجة أحسست معها أني نسيت كيفية التدوين وأصول الدردشة في موضوعات لا تتعلق بالعمل وقواعد النميمة الحريمي وأني سقطت من حسابات العباد!...وحدها تعليقات بعضكم لفتتني إلى أني مغتربة من دون تدوين... Monzer و ميجو مشمش و e7na وبحلم ...أولئك الذين شغلهم أمري وذكرتني تعليقاتهم بأن في هذا العالم أشياء أحلى من العمل واللحاق بالمواعيد النهائية للتسليم و الاضطلاع بطلبات رب العمل التي لا تنتهي!...إنه الانشغال...لهاث لا يأخذني من التدوين كممارسة فقط, بل يأخذني مما رواء التدوين من تأمل وفك اشتباكاتي مع نفسي ومحاولة فهم ما يجري حولي...شكرا لأنكم افتقدتم "كراكيبي"





أوراق ودارسات وترجمات...التزامات يعلم الله وحده إلى متى أقدر على الوفاء بها قبل أن أصاب بنوبة اكتئاب جديدة تدخلني في شرنقتي حيث لا يقدر مخلوق على الوصول إلي...جسد مرهق وعقل موزع بين أشياء ووجوه وأفكار وصلوات أتلوها في كل ليلة وأنا أعرف يقينا أن الله يسمعها وحكايات أناس يصارعون الحياة من حولي, أطل على عوالمهم إطلالات خاطفة أعرف منها أنهم يخوضون تجربتهم وأتيقن من أني أعجز من أن أغير مجرى حيواتهم...أصدقاء أفتقدهم في البعد افتقادا يوجعني لكني أتجاهله كأنما هو ليس لي...أخبار مصر أعرفها لا من صحفها القومية ولا من صحف المعارضة, فقط الجزيرة أو البي بي سي سريعا مع كوب القهوة الصباحي... أحاديث الاستقطاب المذهبي بين السنة والشيعة و حكايات زواج القبطيات من مسلمين و حديث شماتة النظام الإيراني في أزمة النظام الرأسمالي لا تزال تجري تحت شمسنا! حسن! الأرض بعدها تدور ولم يفتني الكثير على أي حال!في عقلي بقايا من رواية "قطار الصعيد" (ليوسف القعيد) التي كانت آخر عمل روائي فرغت من قراءته قبل دوامة الانشغال هذي...لمحات خاطفة من الرواية تمر بذهني قبل أن أسلم عقلي للنوم, أحاول اجترار بعض تفاصيلها التي هي تفاصيل الصعيد القاسية في فترة السبعينيات لكن الرواية تتوه مني ويغلبني النوم...في غمرة الضغط "أخطف رجلي" لحي شبرا برفقة صديقتي العاقلة الراسية, أتأمل الوجوه في ازدحام شبرا الحيوي المميز, أبتاع بعض مستحضرات التجميل التي لا أجد الوقت ولا البال لاستخدامها لكني أراكمها على "تسريحتي" إلى أن أحن للزينة-أبتاعها من بائع قال إن "قدمي قدم السعد على المحل بتاعه" وأن الحانوت - الصغير أصلا- لا يكاد يتسع لزبائنه منذ وطئته بقدمي! بائع قبطي ظريف ودعني قائلا "بخري نفسك بقى"! فغادرت حانوته مبتسمة دون أن يفوتني ما في كلامه هذا من دلالة عميقة: المصريون مسلمين كانوا أو مسيحيين يلتقون في مساحة الثقافة الشعبية, تلك المساحة الشائقة الدافئة المليئة بأشياء من نوع "قدم السعد" "ووش الخير" و "الناس أقدام"و"خمسة وخميسة" و "عين الحسود فيها عود" وكل هذه المفردات التي هي في بعضها على الأقل –سواء علم هذا البائع الشبراوي أم لم يعلم- متأثرة بالثقافة العربية الإسلامية, وفي بعضها الآخر متأثرة بثقافة قدماء المصريين..."رحلة" قصيرة إلى شبرا التي لا أتردد عليها كثيرا أعود بعدها إلى المعادي -حيث أسكن- بهدوئها النسبي وفي نفسي شئ من افتقاد ازدحام شبرا...في المساء أقرأ أوراقا تقول إن الناس متساوون كأسنان المشط وأوراقا أخرى تهلل للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يعزز مبدأ المساواة بين بني آدم المتساوين في الإنسانية وبالتالي في الحق في العيش بإنسانية, وفي الصبح تطالعني فروق مخيفة بين خلق الله في هذه البلاد فأتذكر مقالة فهمي هويدي المفزعة "منطق مخيف ومعقول" وبالتحديد عبارة وردت فيها على لسان سائق تاكسي يقول إذ يشير إلى فيلات السادس من أكتوبر التي تتلألأ في الظلام "يومًا ما سنقتحم هذه «الفيللات» ونستولي علي محتوياتها، ولن تستطيع قوة في الأرض أن تعترض طريقنا لتمنعنا من الانتقام!" تتردد العبارة في عقلي فأقول في نفسي "ربنا يستر عالبلد دي"!في تدويني أعيش –على الأقل أحيانا- حالة من "تدليل الذات" فقط, وفي أحيان أخرى "تخدني الجلالة" و أحس أني أفعل فعل "جهاد مدني" كما يحلو لأساتذتي أن يسموه!!! (إيه الكلام الكبير دة؟!)...وأحيانا أخرى أستعير طريقة باولو كويللهو في فلسفة الأمور فأقول في ذاتي إن كل إنسان يتكلم إلى الله بعمله, فالخباز يتكلم إلى الله بعجينه وأقراصه المخبوزة الساخنة الشهية وهو خاشع أمام فرنه والحداد يتكلم إلي الله بأن يطرق بذراعه القوية على قضبان الحديد والله يرد عليه بأن يلين له هذا الحديد, وأنا أتكلم إلى الله بأن أمارس الكتابة!وأحيانا أخرى- وما أكثر هذه الأحيان- أسقط من نفسي وأفقد يقيني في أن ما أكتب يعني شيئا أي شئ على الإطلاق! وتحدثني نفسي بأنه لا أحد يقرأ وأن من يقرأ لا يتفاعل وأن الأمر لا يعدو أن يكون هكذا: أكوام "الورق الإلكتروني" تزداد ارتفاعا بتلك "الخزعبلات" التي أكتبها مع الكاتبين والتي لا تغير شيئا ...فشوارع القاهرة أكثر ضجيجا من أن تسمع ما تقول امرأة شابة في ركن ما من حجرتها "المكركبة"! وبعدها هذه الشوارع مملوءة بمظاهر عفونة, وما تحت السطح أكبر!نهايته! أنا في هذه الأيام ليس لدي ترف تدليل الذات وفي الوقت ذاته لدي التزامات أخرى ربما يكون فيها حديثي إلى الله تماما كالكتابة, أو هكذا أتعشم... حديث لا يقل "خشوعا" عن حديث الكتابة, لكن لأن الكتابة طريقتي المثلى في الحديث إلى الله وممارسة إيماني فإن الغياب عادة لا يطول كثيرا... حقيقةً لم أتوقع أن يفتقد تدويناتي أحد...لكنكم كنت أجمل من توقعاتي, منكم من ترك تعليقا يسأل عن حالي ومنكم من راسلني على بريدي الإلكتروني يقول" طال الغياب" ويتمنى أن يكون المانع خير...لهؤلاء أقول شكرا على الافتقاد ...واطمئنوا فالمانع خير :-)

ليست هناك تعليقات: