الثلاثاء، 23 ديسمبر 2008

My archive restored


من لها المرأة المصرية؟ ومن يجبر ما كسره الفقر في روحها؟ من ينصفها هي الأخرى وهي تحارب أشباح الحياة اليومية التي كلما كبرنا أدركنا أنها لا تقل شراسة عن العدوان المسلح؟! وما سمعت كلمة حلوة حتى على منازلتها أشباح الأرض الضنينة في كل يوم طائعة راضية...وتذكرت قول الشاعر الذي لا أعرف اسمه:الفقر نشف روحها.. وما في الدار لا يكفي لتمليح الوليد...هذي هي الأم التي إن خانها دمع...تجوع......وتدور مثل النحل لكنلا تجد ما يبيض وجههافتلم أدعية تبقت في حنايا البيت...خلفها التقاةُوالصبر عشش في التجاعيد التي امتدت فجعدت الوريد...




"إلحق يا ابني انت وهو...لبنان مولعة!" هكذا صرخت في زملاء عملي الذين -فيما يبدو- اعتادوا شططي! ثم وضعت من فوري السماعات على أذني أتنقل بين الجزيرة والبي بي سي على الإنترنت: تصريحات...دعاوى حوار...رفض...سلاح...اشتباكات...مفردات مخيفة, وأصوات رجال يعنون ما يقولون...و يزيد من قسوة أصواتهم صوت فيروز في مؤخرة رأسي تغني بصوت مخنوق بالألم :"مجد من رماد لبيروت...آه عانقيني" استكثر أحمد مطر يوما على الشعراء أن ينظموا شعر الغزل في "زمن الكلاب والمخافر"...فماذا عن زمن الفتنة الكبرى يا مطر؟ عن زمن حرب الشوارع؟ عن زمن اختلط فيه أمرنا علينا وغلبتنا الحيرة , فما عدنا ندري لمن نوقد شمعة أ و نقرأ الفاتحة وعلى من نصب اللعنات وندعو بسقر! إلى متى يا مطر نصمت عن شعر الغزل والزمن الردئ يأتي بأردأ منه؟! في انتظار المهدي...أو جودو! وحتى انتظار المهدي... استكثروه علي!يسألني: لم الرهان؟ صح...لم الرهان؟ يا سيدي أنا رهاني على من راهنت عليهم كان على خلفية ميراث ذلك الوجدان الجمعي الذي يحمل في طياته حلما بالبطل المخلَص (ابو زيد الهلالي بقى ولا عليَ الزيبق مش مهم...بس ييجي!)...ألم ننحت نحن عبد الناصر صنما تعبد في محرابه من تعبد؟...تمام...لكني لا أظن الأمر -أمر حلم البطل الشقي- قاصرا على أمتنا, ألم يولد روبن هوود من رحم الثقافة الغربية, وهو نسخة لا تختلف كثيرا عن أي من هؤلاء؟؟ ! لك أن تلومني إن كنت أنتظر من وراء حجاب, لكني أحسب أني أنتظر في كل مكان, وأطرق كل الأبواب وأكلم كل الناس وأغضب ما وسعني الغضب وأفكر حد التعب وأتبسم متصدقة في وجه كل المتعبين من حولي عسى يرحمني ربي...فبالله لا تستكثر علي حتى انتظار المهدي في أمة منتظرة بأسرها!وأسأله: هل قرأت مسرحية "في انتظار جودو"؟؟إن هذا الجودو هو الشحصية التي تنتظرها جميع شخوص المسرحية,والكل بثرثر على مدار ساعات المسرحية عن ألمه وعذاباته وعن كيف أن جودو حين يأتي سيخلص الجميع ويغير الكل...لكنه أبدا ما يأتي!!!سامح الله رواد العبثية الأوروبية وعافانا من أن نفقد المعني كما فقدوه...قال لي فتى صديقي من تركيا بعد أن حاول قدر جهده أن يعتنق فكرة وجود الله لكن فشل, قال لي: كم أحسدك لأن لديك واحدا في السماء!! ثم أردف ببراءة: إذا كنت تتحدثين إلى الله أحيانا, فاذكريني عنده , أما أنا فيكفيني أن أؤمن بك أنت! ألا يشفع لي هذا عند ربك ؟! وقال لي آخر, وكان رجل دين مسيحي أمريكي بروتستانتي, وكنت أعطيه دروسا في تجويد القرآن , قال لي: إنكم أنتم المسلمين لا تعرفون التراجيديا!!! فهي ليست جزءا من تكوينكم الوجداني الجمعي...فلم تعرفوا صلب المسيح ولم تختبروا فكرة أنه تألم لأجل خطاياكم, وتؤمنون إيمانا لا يداخله الشك بأن الله "أكبر"...وأنه "مسيطر" على الأمور في عليائه...فكيف تعرف التراجيديا إذن طريقها إليكم؟! لماذا أذكر لك هذا؟ لأقول لك لا تيأس في الانتظار !
صح...كلام عمنا عبد الرحمن منيف صح...الرواية مش مطلوب منها تكون مساحة عشان الكاتب يعمل دعايا لأفكاره السياسية ولا للحزب اللي هو عضو فيه...الرواية مساحة يعكس فيها الكاتب حقيقة أمته ويساعدها تشوف نفسها...عناصرها, ولادها, مؤسساتها... ويخلط دة الأمل في بكرة أجمل وطموح ملو العقول والصدور...وكلمة مزخرفة الرواية أداة عبقرية...بالذات بقى في زمن الكلاب والمخافر بتاع عمنا أحمد مطر...الرواية, زي المدونات في زماننا, تاريخ بديل... نص المسحوقين...نص العالم التعبانة...الناس اللي في التالت اللي التاريخ بينساهم وبيدوس عليهم, عشان تاريخ مكتوب بريشة كاتب السلطان...الحقيقة تلاقيها في الرواية...وفي لحظة كتابتها الرواية -والمدونة- نص محرَض...مليان تفاصيل تتسرب من بين ايديك لخلاياك و أعصابك ولو كره الكارهون... الرواية هي المسيرة الصامتة...متسيبش حد حواليك في ايده قلم الا لما تحرضه على كتابة رواية...أنا باحرض رفقتي من أصحاب الأقلام على التدوين وكتابة الرواية...واللي منهم مالوش في الرواية ولا التدوين يبقى حرضه على النكتة...النكتة صحيح مش بتعيش قد رواية, لكن إذا كانت الرواية مسيرة صامتة فالنكتة مظاهرة صاخبة وإن كانت خاطفة! ولو أني اغتممت أوي لما عرفت إن الروائية المصرية ميرال الطحاوي واحد أوروبي( سمج) قال لها في أحد المحافل الدولية (بعد أحداث سبتمبر): "طيب الرواية فن أوروبي أصلا, انتو بقى ابتدعتوا ايه؟ ضفتوا ايه؟ ايه النص اللي اتولد في رحم الثقافة العربية؟؟" حتى الرواية يا ناس؟! حتى الأقلام الرخيصة والأوراق الكابية اللون التي نسجل عليها تاريخ الست أمينة والواد ابن البواب اللي ندهته النداهة والولية اللي مشيها لامؤاحذة بطال وكل هؤلاء من غير ذوي الوجوه, حتى هذا استكثروه عليهم وعلينا؟ معلش يا ست ميرال...إمسحيها في أنا دي! واكتبي...نكاية فيهم اكتبي...وأما نشوف!
حتى اسم مدونتي يشي بحالة الانتظار التي أحياها ...وسط من يحيونها في وطني...في أمتي...ماذا أنتظر؟ماذا ننتظر؟حين أقول: لي اشتهاء أن أثور, يقول: ثوري بزينتك...بكحلك العربي...فلتكن ثورتك أن تذهبي صباح غد إلى المقهى الإيطالي الفاخر, واحتس قهوة عالية الثمن طعمها يداعب حواسك...و دعي لي أنا الثورة الحقيقية! فهذي أفعال رجال...أنا سأقتل وأدمر وأخرب وأغير وجه العالم لأجلك يا سيدتي...بينما تحتسين أنت قهوتك الفاخرة! ثم قال شيئا ما عن الثورة والحرب وحقوق السجناء...واختفى!ولا هو ثار ثورة رجال, ولا تركني أثور ثورة حريم ولا وضعت الكحل في عيني ولا تزينت...فقط قمت أتعبد مع المتعبدين في محراب ثقافة الاستهلاك, فرحت أحتسي القهوة في المقهى الإيطالي الفاخر يخدمني فتى لطيف مصري الملامح, يبذل ما في وسعه وما ليس في وسعه أيضا ليرضيني وزبائنه من أبناء الطبقة الراقية, وفي يدي جريدة تتحدث عن أشياء من نوع "تسليع المرأة" وتشيئ الإنسان", بينما على بعد خطوات مني, أسمع ركاب حافلة أجرة "بالنفر" ميكروباص يعني, يتقاتلون مع السائق لأنه رفع سعر الأجرة ربع جنيه بحاله! ليه يا عم الريس ؟حرام عليكو؟دي بلطجة؟ ما تكلموا عدل يا بني آدمين انتو!...شوفوا بقي يا باشوات," البنزيم" غلي واللي مش عاجبه ينزل من العربية ويركب تاكسي!وضاع يوم جديد وما تغير وجه العالم!
سيدي...إني أكبر! أكبر وأعرف أني من مدينة يصعب الحب فيها, لأن سماواتها لا تمطر,و لأن عيونها لا تنام, ولأن رجالها لا يغازلونني على طريقتي!أكبر...لكني أبدا ما أتعلم كيف أحيا في مدينة بخيلةلا حرب فيها ولا ثورة ولا مغازلة تروقني!إني أكبر وأدرك أنه لا يناسبني يقين العوام, ولا زهد الرهبان المتوحدين,ولاطموح الساسة,ولا مرواغة النساء ولازينتهنولا ضحكتاهن ولا رنين حليهن!أكبر فأعرف أن براكيني قد تثور...فقط لأجل حقي في أن أضحك وسط عابسين! وما عدا ذلك من مدن تنتظر غزوهاو مناجم ذهب أصفر تنتظر حفرها, و ذهب أسود يستدعي الدبابات, والمدرعات,والبنادق القديمة المستهلكة التي ملّت الاختباء, والمتفجرات من أقصى الأرض إلى أقصاها,فلا يعنيني كثيرا...إني أكبر و جسدي يكبر...ملعونة هي أجسادنا! تلك التي تهرم...تضعف... تنزف ...تلك التي نتألم بها والتي تفقد أطرافها في الحروب, فنترك بعضها في خنادق كئيبة ونمضي...أجسادنا التي تخوننا بغتة ونحن الذين كنا نحسبها...أجسادنا! سيدي إني أكبر,و تكبر معي الحروف والدهشة تكب,روالقصائد الركيكة تبدو معتزمة على أن تلازمني أكثر!
كنت منذ فترة قد ارتحت لفكرة طرحتها إحدى" نجمات" الفكر الليبرالي في مصر مفادها أن الإبداع أي إبداع هو عمل فردي, وأن التغيير لا يتأتى بأيدي الجماعات ولا القبائل ولا الأمم ولا على خلفية الوجدان الجمعي والأفكار الشمولية, بل بأيدي "الفرد" المبدع...ارتحت للفكرة وقلت في ذاتي: فليكن! وداعا للتمحك بالقبائل على اختلافها...فلأكن وحدي وكفى...فلأكن امرأة اللاقبيلة...غير أني ولا أكذبك أحس رخاوة اللا انتماء!إن بي رغبة صادقة في الخروج من الدوائر الضيقة, دوائر الفتاوى المتضاربة والفوضى الخلاقة وغير الخلاقة والسعي المحموم للهجرة... فإن كنت-يا صديقي- تدعو إلى الطريق الرابع الذي لم تسلكه قبيلة من القبائل بعد فقل لنا أعزك الله, من أين يبدأ طريقك هذا ؟ لقد فكرت أنه ربما تكون البداية تلبية أول دعوة أوحي بها :"اقرأ", وقلت في نفسي إننا أمة بيننا وبين الكلمة المقروءة حبل سُري كالذي يغذي الجنين داخل أمه, وانظر لعلاقة الغزل التاريخية بين الخطاط العربي والحرف المكتوب وكيف يجتهد ما وسعه الصبر ليمنح كل حرف شخصية جماليه تخصه ...أين ضاع الغزل بيننا وبين الكلمة المكتوبة المقروءة؟ و حتى ما اعترفنا لأنفسنا بأنا ما نحن بقارئين! تريد منا أن نجتهد؟ نؤصل؟ لم يعلمنا أحد يا سيدي كيف نفعل! وحين رأينا البعض يحاول رأيناه مرميا بكل ما يوجع من نعوت جاهزة... وما عدت أعرف والله من يجتهد ممن يلفق واختلط علي الأمر حتى فقدت القدرة على الاندهاش من أي رأي أو فكرة مهما شذت, فالكل وارد والكل مقبول والنسبية أصابت قلب كل ما اعتقدناه مطلقا... بالله عليك كيف أستفتي قلبا أنهكته هذه الفوضى يا سيدي؟

ليست هناك تعليقات: